غزة-رياضة العرب:
يجدف بكلتا يديه المشدودتين، عجلات كرسيه المتحرك، متجها صوب سلة عُلقت أعلى حاجز حديدي بملعب الجامعة الإسلامية؛ ليهزها بالكرة محرزا نقطتين؛ ضمن استعداداته النهائية لآخر المحطات التأهيلية لأولمبياد “ريو دي جانيرو” في البرازيل 2017. كان أحد نجوم جيله في ألعاب كرة القدم والسلة والطائرة في المدارس التي التحق بها بمختلف مراحله العمرية إلى أن وصل عامه الثامن عشر، حينما أصيب بقطع في العمود الفقري أدى لشلل نصفي سفلي؛ إثر سقوطه من علو. فادي الديب (32 عاما) اللاعب المصنف الأول على مستوى فلسطين في رياضة كرة السلة للكراسي المتحركة، إضافة إلى وجوده في صدارة ترتيب لاعبي ألعاب القوى لفئة ذوي الإعاقة بتصنيف “f 55”.
بعد ثمانية أشهر مكثها متنقلاً من مستشفى لآخر، وجد الديب نفسه على بوابة حياة جديدة، نحو الملاعب والشهرة في موهبة كرة السلة لذوي الاعاقة. التحق الديب بفريق ذوي الإعاقة لكرة الطاولة التابع لنادي الجزيرة عام 2002، وحصد بعدها بأشهر قليلة المركز الأول على مستوى القطاع. وفي عام 2004، بدأ يمارس كرة السلة للكراسي المتحركة في ذات النادي، حيث حصل على تصنيف اللاعب الأول في القطاع. ونظرا لقوة بنيانه الجسدي، استدعاه ماهر راضي المدير الفني للمنتخب الوطني الفلسطيني؛ لتمثيل فلسطين في بطولة ألعاب القوى عام 2008، فتدرب برفقته لمدة 6 شهور، قبل أن يشارك في أول بطولة بتونس، وحصل على الميدالية البرونزية في دفع “الجُلة”.
وواصل الديب انجازاته مع المنتخب، عندما حصد برونزية ثانية في بطولة بتونس شاركت فيها 34 دولة عربية, قبل أن يمثل ناديه الجزيرة في مسابقة أخرى على مستوى الأندية، فحصل على ثلاث ميداليات فضية في “دفع الجلة، ورمي القرص، ورمي الرمح” بمشاركة 40 دولة، لتكون آخر المحطات التأهيلية لأولمبياد لندن 2012، وانتزع فيها رقمين تأهيليين في دفع الجلة ورمي الرمح. ورغم تأهله لأولمبياد لندن، إلا أن مشاركته فيها تبددت؛ إثر نشوب خلافات بين اللجنة البارالمبية في غزة والضفة، ما أدى للإطاحة بلجنة غزة، وتعيين لجنة بديلة.وفقا للديب وأنهى الديب تعاقده مع الجزيرة عام 2011، فأنشأ فريق كرة سلة للكراسي المتحركة بنادي حي الشجاعية.
وحصد فريقه الجديد الذي عمل معه كلاعب ومدرب، المركز الثاني في بطولة شارك فيها فرق القطاع، إلى أن ظهرت خلافات بنادي اتحاد الشجاعية أجبرت الفريق على التقلص. وتعاقد الديب مع فريق الهلال الأحمر كلاعب “ألعاب القوى، وكرة الطاولة، وكرة السلة”، وعمل خلالها مترجما للمدرب الأمريكي الذي جاء لتقديم دورات تدريبية في مجال رياضة ذوي الإعاقة.
ولم يمثل الديب منتخبنا الفلسطيني منذ عام 2012 حتى كتابة هذا النص؛ نتيجة للإغلاق المتكرر للمعابر وضعف الاهتمام من الاتحاد والبارالمبية.وفقا لما قاله لـ”سوا” وعلى غرار تأسيسه رياضة ذوي الإعاقة بنادي اتحاد الشجاعية، أسس الديب ناديي البسمة (غزة) والأصدقاء (رفح) من خلال ضمه لأشخاص أصيبوا بإعاقة أثناء الحربين الإسرائيليتين الأخيرتين على غزة، ليسطر اسمه بحروف من ذهب في كتاب تاريخ رياضة ذوي الإعاقة بالقطاع؛ خاصة أن الأندية وصل عددها فيما بعد لثمانية.
وبعد مضي 12 عاما على جلوسه على كرسيه المتحرك، فتحت أبواب العالمية في وجه الديب؛ بعد أن تلقى عرضا من نادٍ ألماني بقيمة 250 ألف دولار “ربع مليون”. الديب رفض العرض الألماني؛ لأن النادي قيد انضمامه له، بمقابل منحه الجنسية الألمانية؛ لتمثيل ألمانيا في المحافل العالمية؛ لا سيما أنه تلقى صفعة قوية خلال ذات الشهر تمثلت بوفاة والديه اللذين تركا له حمل تربية أشقائه الصغار، على غرار أنه تزوج خلال العام وأنجب طفلا. وقدّم نادي أمريكي عرضا آخرا للديب، فوافق عليه، إلا أن مدربه الأمريكي نصحه بالتراجع؛ لأن دولته لن تمنحه عائد مادي مجزي؛ كونها لا تُعير اهتماما كافيا لرياضة ذوي الإعاقة.
طموح الديب لم تتوقف مادام قلبه ينبض؛ فهناك نادٍ عربي كبير يرغب بضمه؛ ولم يتبق على إتمام الصفقة سوى الاتفاق النهائي على قيمة العقد النهائية. وقال الديب لـ”سوا” أنه يجرى حاليا تدريباتٍ شاقة في ملعب الجامعة الإسلامية بمدينة غزة؛ استعدادا لبطولة الإمارات في السابع من مارس المقبل، التي تعد آخر محطة تأهيلية لأولمبياد “ريو دي جانيرو” في البرازيل 2017، خاصة أنه بات قريبا من تمثيل فلسطين مرة أخرى؛ كونه حصل على رقم تأهيلي (A)، وبحاجة إلى تأكيد دولي؛ لاعتماده في البرازيل.
وحصد الديب خلال 14 عاما على كرسي متحرك، 5 ميداليات مع المنتخب ما بين فضية وبرونزية، ورقمين تأهيليين للأولمبياد، إضافة إلى 4 بطولات كرة سلة، وعدة ألقاب كرة طاولة مع الأندية.
