أكاديميات كرة القدم العربية (بين الواقع والمأمول)
بدأ الاهتمام بأكاديميات كرة القدم في أوروبا مع بدايات منتصف القرن الماضي، وذلك من خلال إدراكهم قيمة العوائد الفنية والمالية على الأندية التي تمتلك أكاديميات ذات مستوى عالي من التنظيم والمنهج التدريبي الفني المُميز لتلك الأندية، ومنها على سبيل المثال أكاديميات أندية : (برشلونة الاسباني، أياكس أمستردام الهولندي، مانشستر يونايتد الانجليزي، بايرن ميونخ الألماني، سبورتنج لشبونة البرتغالي، ساوباولو البرازيلي .. وغيرها من الأندية العالمية) التي أهتمت بوجود آليات تضمن اكتشاف وتصعيد أجيال من اللاعبين الموهوبين المُحترفين، والاستفادة منهم على المدى البعيد في تمثيل الفرق الأولى بالأندية والمُنتخبات الوطنية لتلك الدول.
وفي استعراض لأبرز الأمثلة التي تؤكد ما سبق :: وجود (8) ثمانية لاعبين في قائمة المنتخب البرتغالي المُشارك في كأس الأمم الأوروبية يورو 2012م من خريجي أكاديمية سبورتنج لشبونة، بالإضافة إلى نجوم الأكاديمية لويس فيجو ولويس ناني بخلاف كرستيانو رونالدو.
وفي عام 2000م قرر اتحاد الكرة الألماني ورابطة الأندية المحترفة “البوندزليجا” إطلاق مشروع الأكاديميات وتطوير قطاعات الناشئين، ووضع وقتها برنامج طموح يهدف إلى الاهتمام بهذا القطاع وفق خطة مدتها (10) عشرة سنوات، حيث تنافست الأندية الألمانية في تطوير مقرات إقامة اللاعبين الصغار بداية من سن 13 سنة وحتى 19 داخل جدران الأندية .. فاللاعب يتعلم ويعيش ويأكل في ناديه، وهذه السياسة هي التي قدمت للمنتخب الألماني أكثر من نصف نجومه الذين شاركوا بمونديال جنوب أفريقيا 2010م، وتأكدت قيمة وأسس نواتج هذه التجربة بفوز ألمانيا بكأس العالم الأخيرة بالبرازيل 2014م.
وما بين الاستيعاب المُبكر وفهم الدول ـ الأوروبية ـ المتقدمة في كرة قدم، وإدراكهم أهمية ودور الأكاديميات .. كونها البداية الصحيحة لبناء اللاعب المُحترف والقادر على إحداث الفوارق الفنية اللازمة لتحقيق الإنجازات والبطولات .. نجد أن مفهوم دور أكاديميات كرة القدم في المنطقة العربية على مستوى الأندية أو الاتحادات الرياضية ما زال غير واضح الرؤية ولا يمتلك الخطط أو الدعم الإداري أو الفني أو المالي لتنفيذه بالشكل المُناسب .. باستثناء بعض المحاولات الفردية لبعض الأندية التي أدركت ضرورة مواكبة هذا الاتجاه من إعداد اللاعبين الصغار كونه خيار استراتيجي لتحقيق الأهداف طويلة المدي سواء لبناء الفرق الأولى بالأندية وسد الاحتياجات من مراكز اللعب المختلفة.
وتأتي أكاديميات أندية : (الاهلي المصري، الأهلي السعودي، والعين الإماراتي والسد القطري) كأقدم الأكاديميات العربية التي أنشأت مع بداية القرن الحالي، وتسعى دوماً لاتخاذ الإجراءات التي تضمن تطوير مناهجها الإدارية والفنية وتجويد مستوى المنتج (اللاعب الصغير) في محاولة صقله وإيصاله لمرحلة المُشاركة التدريجية بالفريق الأول تمهيداً للاعتماد الأساسي عليه مُستقبلاً، حيث بدأت هذه الاكاديميات بالفعل في مد فرقها الاولى والمُنتخبات الوطنية على مستوى كافة الفئات السنية بلاعبين موهوبين.
وفيما يلي نلقي الضوء على أبرز العقبات التي تقف حائلاً بين الواقع الحالي والمأمول الذي ننشده لتطوير العمل في مجال البراعم والفئات السنية على مستوى الاندية والاتحادات العربية :
1 – عدم وضع الأندية والاتحادات المعنية بلعبة كرة القدم خطط ومشاريع موجهة للارتقاء بالبيئة التدريبية الخاصة بالبراعم ولاعبي الفئات السنية من ملاعب ومُنشآت وأدوات وأجهزة فنية وإدارية وطبية وغيرها من مُتطلبات أخرى.
2 – ضعف الاهتمام من قبل الاتحادات الرياضية بتنظيم المهرجانات والمُسابقات الخاصة بفئات البراعم والناشئين وتطوير اللوائح الخاصة بها، وبما يدفع الاندية إلى إهمال تلك الفئات السنية نظراً لعدم وجود مهرجانات أو مُسابقات تشارك بها.
3 – عدم وعي إدارات الأندية بأهمية إعداد وصقل اللاعبين الصغار، واتجاه غالبيتهم إلى سياسة الاعتماد على شراء اللاعب المحلي الجاهز فنياً .. دون خوض عناء توفير أكاديميات لتنشئة لاعبين محترفين يمتلكون عمر تدريبي ذو مستوى مُميز.
4 – الميزانيات المالية الضعيفة التي تخصص للاهتمام بالفئات السنية الصغيرة، وما يترتب على ذلك من عدم القدرة على استقطاب الكفاءات الفنية الجيدة ذات الخبرة للعمل بذلك القطاع أو استكمال متطلبات العمل الأساسية.
5 – عدم وجود مصفوفة دورات تأهيل وصقل واضحة للأجهزة الفنية والإدارية العاملة في مجال البراعم والفئات السنية.
6 – اهتمام إدارات الأندية بتحقيق المكاسب والنتائج في المُباريات والبطولات على حساب سياسة التكوين الفني للاعبين الصغار، وما يترتب على ذلك كثرة تغيير الأجهزة الفنية والإدارية، ومن ثم عدم الاستقرار الذي يؤثر على تحقيق الهدف الرئيسي لمرحلة التكوين وهي إعداد لاعبين مُحترفين وتصعيدهم للفريق الأول.
7 – عدم وجود الخطط الفنية والتدريبية متوسطة وطويلة المدى وآليات التنفيذ المناسبة لتطوير مستويات البراعم واللاعبين بالفئات السنية.
8 – اجتهادية العمل في مجال اكتشاف المواهب، بالإضافة إلى عدم وجود برامج رعاية مُتكاملة لتلك المواهب، وما يترتب عليه فقدان الكثير من المواهب.
9 – افتقاد البرامج المُتخصصة في الإعداد النفسي والعقلي للبراعم واللاعبين الصغار وآليات تعويدهم على نمط حياة اللاعب المُحترف.
10 – عدم وجود خطط مُناسبة لإدارة اللاعبين وكيفية الاستفادة منهم إدارياً بتسويقهم أو فنياً من خلال انتقالهم من الأكاديميات إلى الفئات السنية ثم إلى الفريق الأول.
11 – غياب دور الإعلام بكافة وسائله في التركيز على المواهب الصغيرة، ودفع كافة المؤسسات المعنية وغير المعنية للاهتمام بها وتقديم الرعاية الكافية لها.
وفي النهاية أتوجه بالشكر لكل من يستشعر ويهتم بمفهوم الأكاديميات ودورها في إعداد اللاعبين الصغار كونها الأساس الذي سوف يُبنى عليه اللاعب المُحترف .. على أمل أن يزداد الاهتمام بالعمل الأكاديمي في الرياضة بوجه عام وكرة القدم بوجه خاص .. والله الموفق،،،
دكتور / أحمد أمين الشافعي
مدير عام أكاديمية النادي الأهلي السعودي