روسيا- رياضة العرب
الكل منا يرى الأم هي التي تقف بجانبه لتدعمه في أوقات الفرح أو الحسرة، لكن بالنسبة لليونيد سلوتسكي، مدرب المنتخب الروسي لكرة القدم ونادي سسكا موسكو، فإن أمه، لودميلا، لعبت دوراً أكبر. ولذا قرر موقع الفيفا أن ينشر قصتها في الاحتفال باليوم العالمي للمرأة.
فقدت لودميلا زوجها فيكتور سلوتسكي، الذي كان ملاكما محترفاً ومعلماً للتربية البدينة، بعد معاناة مع السرطان حيث كان عمر ليونيد آنذاك ست سنوات فقط، وتحتم على لودميلا الأرملة التي كانت تعمل معلمة في حضانة فولجوجراد أن تتحمل كل الصعاب وحدها.
وهي تتذكر في مقابلة أجراها معها موقعي WELCOM 2018 قائلةً “كانت أوقات عصيبة. تحتم عليّ أن أدفع 120 روبل كإيجار شهري لشقتنا بينما كنت أحصل على راتب يبلغ 95 روبل فقط. حصلت أيضاً على بدلات أرملة. كنت أدفع راتبي وبدلات الأرملة في إيجار الشقة وكنا نعيش على معاش أمي. كنت أستيقظ مبكراً وأمشي إلى العمل بدلا من ركوب الترام لأوفر 3 كوبيكات وهي أجرة الترام آنذاك. لذا كنت أوفر ثلاثة في الذهاب وثلاثة في العودة ليصبح الإجمالي ستة كوبيكات كل يوم.
وتواصل حديثها قائلة “كنت أعمل ليل نهار وحين أصبحت مديرة الحضانة، قبلت وظيفة أخرى أنظف فيها بعض المكاتب. كنت أذهب متخفية لأمسح هذه الأرضيات لكي لا يراني أحد. كنت أشعر بالعار من هذه الوظيفة لكن كانت الظروف تحتم علي القيام بها. لم يكن لدينا المال الكافي أبداً لكننا حصلنا على راحة حين تولى ليونيا تدريب أوليمبيا (فولجوجراد)”.
الدعابة هي الحل
وقع مدرب روسيا الحالي في حب الرياضة في سن مبكرة رغم أن أمه كانت توجهه للعمل بالموسيقى. وهي تعلق قائلة “لا أعتقد أن أبوه أثر عليه على الإطلاق؛ ففيكتور لم يصطحبه أبدا إلى أي حصص تدريب الملاكمة. أعتقد أن الرياضة تسري في جينات ليونيا. ألحقناه في البداية بمدرسة موسيقية لكنه كرهها. وفي يوم ما قال لي “أمي يمكنك أن تقتليني إذا رغبتي لكن لن أعود لمدرسة الموسيقى أبدا” ثم التحق بعدها بفريق لكرة القدم”.
وانتهت مسيرة سلوتسكي الواعدة في حراسة المرمى قبل أن تبدأ حين تعرض وعمره 19 عاماً إلى إصابة خطيرة بعد أن وقع من على شجرة أثناء محاولته إنقاذ قطة لأحد جيرانه. وهنا تقول لودميلا “اتصلت بي أمي وأخبرتني أن ليونيا أّخذ للمستشفى. وكان يخضع لجراحة حين وصلت وقد استغرقت ساعتين. وتحتم عليهم تجميع رضفة الركبة”.
وواصلت قائلة “لم يكن وجهه ظاهراً بل كان مليئاً بالكدمات والأورام الدموية، وتعرض أنفه للكسر. وكان اعتزال الرياضة أمر لا شك فيه إلا أنه قال “إذا لم أستطع اللعب مرة أخرى سأدرب. وحتى قبل أن ينهي المرحلة الثانوية، كان قد بدأ تدريب فريقاً للأولاد للصغار وكنت أضع إعلانات له على أعمدة الإنارة القريبة من المدارس”.
وحقق ليونيد سلوتسكي منذ هذه اللحظة صعوداً تاريخياً ليدرب المنتخب الوطني الأول بعد أن بدأ بتدريب الطفال. وتدرك أمه سر نجاحه. إذ تقول “انه يملك حس دعابة رائع وربما ساعده ذلك كثيراً في الأوقات الصعبة.
“المناخ في المعسكر رائعة للغاية، والنكات تتردد كثيرًا والكل يضحك. ويقول ليونيا أنه أحياناً يمشي في المعسكر يغني بعض الأغاني بعلو صوته ليقابل بالصدفة فاسيلي برزوتسكي الذي ينضم إليه في مشيته ثم يأتي بعد ذلك سيرجي إجناشيرفيتش وينضم إليهما ثم يبدأ الآخرون في المزاح. لا شك أن العمل في هذا الجو الهادئ ممتع للغاية”.
ضغط الإدارة
النجاح يحتاج إلى بذل جهد كبير، وتعد أم سلوتسكي الوحيدة التي تدرك حجم التوتر التي يشعر به ابنها حيم يدخل فريقه أرض الملعب. وهنا تقول “أخبرني ليونيا ذات مرة قائلاً “أمي، حين تبدأ المباراة وأتواجد هناك فإن كل ما أفكر فيه هو أن تنتهي المباراة؛ أشعر حينها وكأن ثقل يبلغ 50 كجم تم ربطه بيدي ولا أستطيع رفعه”.
وتواصل حديثها قائلة” لا أعتقد أنه سيترك هذا الثقل أبدا مهما بلغ من العمر ومهما طالت فترة تمسكه بمسيرة التدريب. ليوينا تحدث إلى طبيب نفسي الذي أخبره أنه حين تبدأ المباراة، فإن المدرب يعاني من ضغط عاطفي يعادل ما يتعرض له عامل منجم دفن في منجم لثلاثة أيام. يا لها من مقارنة، لا أعتقد أن أي منا يمكنه تخيل ذلك”.
لا تذهب لودميلا إلى مباريات كرة القدم بل تفضل متابعة ابنها عبر شاشة التلفاز. وهنا تعلق قائلة “لا أذهب لمشاهدة المباريات أبداً ولم أدخل أي ملعب من قبل. ولا أعتقد أنني أستطيع تحمل ذلك. هل تعرف كيف أشاهد مباريات كرة القدم؟ أكتم صوت التلفاز، وأقوم بالأعمال المنزلية ثم بين الحين والآخر أنظر للشاشة لأتعرف على النتيجة. الكل يعرف كيف أكون عصبية في يوم المباراة. فضغط الدم يرتفع والكل يبتعد عني في هذه الأيام”.
ليس من الواضح ما إذا كان سلوتسكي سيشرف على منتخب بلاده في كأس العالم روسيا 2018 FIFA لكن أمه تثق في إمكاناته. فهي تقول “حين سمعت خبر منح روسيا حق تنظيمك كأس العالم 2018، قلت لأبني: “أتمنى أن نعيش لنراك تدرب المنتخب الوطني، ما رأيك؟ لا أعتقد أن ليونيا فكر في هذا الأمر لكنه خطر ببالي أنا حينها. لم تكن فكرة أو أمنية بل جملة تفوهت بها تلقائياً. أنا على يقين أنه يملك مقومات قيادة منتخبنا الوطني للانتصارات في 2018.
وتختم لودميلا حديثها قائلة “حين توج ليونيا بلقب مدرب العالم في الدوري الروسي لموسم 2013/2014، لم أشعر أن لي أي دور في ذلك ولا أملك دوراً الآن أيضاً. لكنني فخورة بابني وربما فخورة إلى حد ما بنفسي. حين أهداني الفوز في التلفاز، كان أمراً رائعاً منه وبكيت حينها”.