على امتداد تاريخ الرياضة المغربية، كانت الكرة دوما محشوة بالسياسة، بدءا بصراع الاستقلاليين والشوريين حول الريادة الرياضية، وانتهاء بركض الجيل الجديد من السياسيين نحو منصات الملاعب، أملا في اختصار طريق الوجاهة وتحقيق مكاسب شهرة جماهيرية بلقب واحد دون الحاجة لخطب سياسية. ففي الكرة الأقدام والانتصارات الميدانية تنوب عن المكاسب السياسية.
بالأمس كان السياسي في خدمة الرياضة، واليوم أصبحت الرياضة في خدمة السياسي، فلم يغتن سياسيو زمان من الكرة بل ساهموا بجهدهم ومالهم وأفكارهم في بناء صرح فرق لم يكن يرعاها المستشهرون أو يلفها الرعاة والمحتضنون بعطفهم.
في زمن مضى، كان لكل فريق خادم من خدام الدولة يحرصه ضد عاديات الفاعلين الرياضيين، وكانت الأحزاب السياسية لا تلهث خلف الرياضيين لاستقطابهم، بل العكس هو الصحيح حيث كان استقطاب رجل السياسة إلى ملاعب الكرة مكسبا، بل لقبا فخريا يزين به النادي سجل تاريخه.
اليوم فطن الرياضيون إلى ضرورة فتح المجال للفاعل الاقتصادي والثقافي من أجل تطوير تنافسية الفرق الرياضية لكرة القدم، ونقلها من حالة الفرق الكروية التي تعيش أزمة أقطاب إلى مؤسسات، ونفس الشيء ينطبق على الفاعل الحزبي المطالب بالانخراط في هذا المجال، كي لا تظل الرياضة مجرد سطور في برنامج انتخابي ويصبح السياسي في قلب التدبير العمومي للشأن الرياضي.
في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار»، نسلط الضوء على شخصيات اجتمع فيها الهوس الرياضي بالسياسي، وتعايش داخلها عشق الكرة مع الولاء الحزبي، مع ملاحظة تستحق أن نتوقف عندها، وهي أن السياسي يمكنه أن يغير اللون الحزبي مرات، لكنه أبدا لن يجرؤ على تغيير جلده الكروي، مهما كانت المغريات.
+++
حسن البصري
+++++
جودار.. صانع ألعاب في الكرة وفي السياسة
انتخب، في الأسبوع الماضي، محمد جودار أمينا عاما جديدا لحزب الاتحاد الدستوري، خلفا لمحمد ساجد الأمين العام المنتهية ولايته، وذلك خلال أشغال المؤتمر الوطني السادس للحزب المنعقد بالدار البيضاء. جاء انتخاب جودار بالإجماع بعد تنازل المرشحين الثلاثة وهم الحسن عبيابة عضو المكتب السياسي للحزب، والشاوي بلعسال رئيس المجلس الوطني للحزب، ومحمد بنسعدي عضو المجلس الوطني للحزب.
وفي ما يشبه التوافق، تم انتخاب الحسن عبيابة نائبا للأمين العام الجديد للحزب، فيما تم تجديد الثقة في الشاوي بلعسال رئيسا للمجلس الوطني للحزب، بحضور حوالي 1300 مؤتمر، أغلبهم لهم علاقة بالرياضة، على اعتبار أن الاتحاد الدستوري كان دوما حزبا لأهل الكرة من المعطي بوعبيد إلى محمد جودار.
ولد محمد جودار في أبريل 1956 بحي سباتة بالدار البيضاء، وعين أستاذا لمادة الرياضيات بإحدى المؤسسات التعليمية بعمالة ابن امسيك سيدي عثمان، (علال بن عبد الله)، وكان حينها لاعبا لكرة القدم في فريق فتح سباتة، قبل أن يدخل غمار السياسة ويعلن مغادرته للفصل الدراسي.
خاض جودار فترة تمرين سياسي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قبل أن ينضم بشكل نهائي لحزب الاتحاد الدستوري، وعبره خاض غمار الانتخابات الجماعية فأصبح رئيسا لمقاطعة ابن مسيك بعد إعادة التقطيع الانتخابي للمنطقة. كانت هذه التجربة كافية ليعلن جودار القطيعة مع التعليم، ويتفرغ للسياسة التي ستفتح شهيته لمناصب أخرى، حين وضع نصب عينيه المقعد البرلماني. وتأتى له ذلك بعد أن أصبح من صقور الاتحاد الدستوري منذ زمن محمد ابيض، لينتهي به المطاف نائب الأمين العام لحزب الحصان. ونائبا لرئيس مجلس النواب، فضلا عن مهام أخرى على مستوى مجلس مدينة الدار البيضاء.
أصبح جودار رئيسا لفتح سباتة لكرة القدم وعبر هذا المنصب أصبح رئيسا لعصبة الدار البيضاء لكرة القدم، ونائبا لرئيس الجامعة الملكية المغربية، ومسؤوليات أخرى أبرزها رئاسة لجنة البنيات التحتية في الجامعة، ومنخرطا في الرجاء البيضاوي لفترة قصيرة.
لكن الرجل ظل يطارد منصبين ساعيا إلى إحكام قبضته عليهما، وهما: الأمانة العامة لحزب الاتحاد الدستوري وحقيبة وزارة الرياضة، حقق المبتغى الأول يوم السبت الماضي في انتظار الشوط الثاني من الحلم السياسي.
لعب جودار دورا كبيرا في إنتاج النخب السياسية بعد أن طال مقامه في مجلس مدينة الدار البيضاء، بل ساهم إلى جانب رئيس الوداد في ترتيب الأوراق السياسية ووضع الرجل المناسب للمرحلة في المكان الذي يرتضيه المتمسكون بخيوط اللعبة السياسية في المنطقة.
مزوار.. مدير الرجاء يصبح أمينا لحزب الأحرار
ارتبط اسم صلاح الدين مزوار، وزير الشؤون الخارجية والتعاون السابق والأمين العام الأسبق لحزب التجمع الوطني للأحرار، بفريق الرجاء الرياضي، فالرجل الذي لعب كرة السلة في المنتخب الوطني واتحاد طنجة في بداية الثمانينات، مارس أيضا مهمة مدير عام لنادي الرجاء الرياضي حين كان إطارا في مكتب استغلال الموانئ الراعي الرسمي للرجاء، بل وانخرط في فرع كرة القدم، إذ حضر الجموع العامة للفريق وصوت على الرؤساء المتعاقبين على تسيير دفة الرجاء، كما أنه كان يحضر بين الفينة والأخرى لمعسكرات الفريق قبل أي بطولة أو مسابقة مهمة. ولعل أبرز موقف لمزوار رفضه الترشح لرئاسة الفريق الأخضر، لكنه ظل سندا لصديقه محمد أوزال الذي كان يشغل مهام التدبير خلال الأزمات الكبرى للفريق.
رغم انتمائه لمكناس إلا أن صلاح الدين مزوار ظل عاشقا للرجاء قبل النادي المكناسي، رغم أن هوايته الأولى هي كرة السلة التي مارسها في الدار البيضاء حين كان يحضر دبلوما في التدبير من المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات بالدار البيضاء، وأيضا حين كان طالبا في فرنسا. تقلد عدة مناصب في مجال الاقتصاد، إذ عين وزيرا للصناعة والتجارة عام 2004، ثم وزيرا للاقتصاد عام 2007، فوزيرا للخارجية عام 2013.
قبل 2010 لم يكن لمزوار ذكر في صالونات السياسيين، قبل أن يقود حركة تصحيحية أطاحت لرئيس حزب «الحمامة» مصطفى المنصوري، وحملته إلى الزعامة الحزبية، وبعد ثلاث سنوات سيرأس الدبلوماسية المغربية، وحين سقط الحزب في امتحان الانتخابات قدم صلاح الدين استقالته من التنظيم، قبل أن يخلفه عزيز أخنوش.
اليوسفي.. رجل أحب الاتحادين: الاشتراكي والبيضاوي
في مذكراته «أحاديث في ما جرى»، يروي عبد الرحمان الوزير الأول السابق والقيادي في الاتحاد الاشتراكي، تفاصيل لقاء جمعه بالملك الحسن الثاني في مستشفى ابن سينا في الرباط، وكيف تحولت زيارة الملك إلى لقاء عمل حول سرير مرض ووسط رائحة الأدوية عن تفاصيل مساره السياسي.
يقول اليوسفي إن اللقاء لم يخل من نوسطالجيا حول مساره: «خلال تلك الزيارة، بعد أن اطمأن على وضعيتي الصحية، تحدث معي عن حالته الصحية، وقدمت له زوجتي التي كانت تلازمني وقتها، وعبر لها عن أسفه لكونه يتعرف عليها في تلك الظروف، حيث كان يتمنى التعرف عليها في ظروف أحسن».
يعد اليوسفي من مؤسسي نادي الاتحاد البيضاوي أو «الطاس» سنة 1947 بالحي المحمدي بالدار البيضاء، إلى جانب محمد العبدي ومحمد الأخضر وعبد السلام بناني، حيث كان الهدف من تأسيس هذا النادي هو تمثيل الحي المحمدي وساكنته وتشريفه في الملتقيات الرياضية. وكان من بين رجالات الفريق المرحوم العربي الزاولي الذي قام برئاسة النادي وتدريبه في نفس الوقت، حيث بنى فريقا قويا كان يضاهي أكبر الفرق المغربية آنذاك.
ظل اليوسفي جزءا من ذاكرة «الطاس»، إذ زار لاعبو ومكونات نادي الاتحاد البيضاوي حين توج بلقب كأس العرش، بيت عبد الرحمن اليوسفي، الوزير الأول الأسبق، مرفقين بكأس العرش، حيث اعتبرت أن هذه الكأس بمثابة إهداء لهذه الشخصية التي بصمت في تاريخ النادي المنتمي لمنطقة الحي المحمدي.
وكان اليوسفي قد عبر عن عشقه في عدة مناسبات لفريق الاتحاد البيضاوي، وتمنى فوز هذا الأخير بلقب الكأس الفضية، بل إن إدارة النادي نظمت دوريا حمل اسم اليوسفي وحرص هذا الأخير على متابعة أطواره رغم وضعه الصحي. وحين التحق بالرفيق الأعلى كان مسيرو «الطاس» في مقدمة الموكب الجنائزي.
بن جلون.. الشوري الذي التف حوله الاستقلاليون
تأسس الوداد الرياضي على يد أقطاب حزب الشورى والاستقلال، الذي كان محمد بن جلون أبرز قياديه على مستوى الدار البيضاء والنواحي، لكن أثناء التأسيس لم يكن للرجل أي انتماء إلا صفة وطني، ومع بزوغ فجر الاستقلال اقتحم الوداديون الحزب التقليدي، وأصبح العديد من مسيريه يدينون بالولاء للوداد ولهذا الحزب المنشق عن حزب الاستقلال، على غرار الدكتور عبد القادر بن جلون التويمي الذي ترأس الوداد بعد انتهاء ولاية محمد بن جلون، كما أسندت له حقيبة وزارة المالية في عهد أول حكومة للمغرب المستقل بقيادة البكاي، كما حمل عبد السلام بناني، وهو الذي أسس المغرب الفاسي وترأس الوداد الرياضي، وعصبة الفرق الحرة لسنوات، اللون السياسي لحزب الاستقلال، إلى جانب عبد اللطيف بن جلون وهو أول من وضع مسودة القانون الداخلي للنادي رغم أنه طبيب وليس رجل قانون، وتناوب الاستقلاليون على الوداد ومنهم من فضل التعاطف مع هذا الحزب بدل الارتماء في أحضانه على غرار عبد الرزاق مكوار الذي وقعت عريضة المطالبة بالاستقلال في بيت عمه الاستقلالي في فاس، وأحمد لحريزي الرئيس السابق للنادي والطيب الفشتالي الذي دخل الانتخابات باسم حزب علال الفاسي وهو الحزب ذاته الذي توقف فيه إدريس بنهيمة.
درس محمد بن جلون التويمي بالمدارس الإسلامية بالدار البيضاء، ثم انتقل إلى الرباط لإتمام دراسته بثانوية مولاي يوسف، هناك قاد أول إضراب عن الطعام في المؤسسة، بعد إصدار السلطات الفرنسية للظهير البربري الذي كان يرمي إلى التفرقة بين الأعراق بالمغرب بداية الثلاثينات. انضم إلى حزب الشورى والاستقلال وأصبح من قياداته. أسس جمعية قدماء تلاميذ المدارس الإسلامية، كما أسس نادي الوداد الرياضي يوم 8 ماي 1937 و عمره لا يتجاوز 25 سنة. لعب ضمن الفريق الأول للوداد فرع كرة السلة، كان مستشارا لوزير الرياضة بنسودة، ورئيسا لجامعة الريكبي، ومن مؤسسي اللجنة الأولمبية المغربية سنة 1959، وظل عضوا أولمبيا مدى الحياة، وحين توفي أمر الملك الحسن الثاني رئيس الوداد مكوار بإطلاق اسمه على ملعب النادي.
بوعبيد.. رئيس النادي الأخضر أمينا للحزب البرتقالي
ولد المعطي بوعبيد في درب مارتيني في عمق درب السلطان، وانضم في شبابه إلى نادي «اليسام» إلى جانب لاعبين مغاربة كالعربي بن مبارك، عرف عنه رفاقه عشقه للكرة ومهاراته على خط وسط الميدان، قبل أن تجره الدراسة من الكرة.
عاش فترة هامة من شبابه في مدينة بوردو الفرنسية، حيث درس القانون وعاد إلى المغرب حاملا شهادة الدراسات العليا في القانون الخاص مما مكنه من ولوج عالم القضاء كوكيل للملك في مدينة طنجة، لكنه تألق بشكل ملفت في مجال المحاماة الذي شغل فيه منصب نقيب لهيئة المحامين بالدار البيضاء، قبل أن يتأبط مجموعة من الحقائب الوزارية ويصل إلى قمة المناصب الحكومية حين جمع بين وزارتين العدل والوزارة الأولى، فضلا عن مناصبه السياسية كقيادي في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم كأمين عام للاتحاد الدستوري، ناهيك عن مسؤوليات أخرى خاصة رئاسته لفريق الرجاء البيضاوي.
ظل المعطي يحظى، لولايات برلمانية عديدة، بثقة سكان دائرة درب الجديد بالبيضاء بالمدينة القديمة، مصرا على تمثيل الرجاء في معقل الوداديين، قبل أن يقبل مقترحا للراحل الحسن الثاني يدعوه لرئاسة حزب الاتحاد الدستوري سنة 1983.
كان المعطي نقيبا للمحامين ورجاويا حتى النخاع، وجد فيه الحسن الثاني الرجل المناسب لمواجهة الاتحاديين بالدار البيضاء، وحين عين على رأس الحزب الجديد أسس جريدة رسالة الأمة، ونسخة بالفرنسية «لوميساج دو لانسيون»، واستقطب لها خيرة الإعلاميين آنذاك منهم الراحل عبد القادر شبيه الذي كان رئيسا للتحرير، والراحلة نادية برادلي رئيسة للنسخة الفرنسية.
كان حينها الإعلام سلطة المواجهة، وكانت جريدة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رأت أول صدور لها في نفس سنة تأسيس حزب الاتحاد الدستوري سنة 1983، فترة بعد إغلاق جريدة المحرر سنة 1981. من هنا ينطلق مسلسل المواجهة بين الاتحاد الاشتراكي، والاتحاد الدستوري، وكانت حينها الدار البيضاء معقل الاتحاديين، لكن مع ظهور الاتحاد الدستوري أصبحا الاثنين يتقاسمان المدينة لكن الأهداف والبرامج تختلف، وصحفهما ساعدتهما كثيرا رغم أن نسبة مبيعات الاتحاد الاشتراكي كانت في الصدارة.
شاءت الأقدار أن يسلم المعطي بوعبيد الروح لبارئها ليلة مباراة «الديربي» البيضاوي، المواجهة التي كان يتحاشى متابعتها ميدانيا ويحرص على سماع نتيجتها بعد أن يعلن الحكم عن نهايتها، في ليلة الفاتح من نونبر 1996 لفظ المعطي آخر أنفاسه، وفي اليوم الموالي كان الجميع على موعد مع «الديربي»، إذ توجه مئات مشيعي جثمانه من المقبرة إلى مركب محمد الخامس، حيث لأول مرة في تاريخ «الديربي» اجتمع جمهور الفريقين وقرأ الجميع الفاتحة على روح الفقيد الذي شكره الحسن الثاني من بين جميع الوزراء على ما قدمه للوطن.
أبيض.. رجاوي ترأس الاتحاد الدستوري في أوج أزمته
ارتبط اسم الرجاء وجدانيا بحزب الاتحاد الدستوري، وكان المعطي بوعبيد الرئيس السابق للرجاء البيضاوي أول أمين عام له، وتسلم عبد اللطيف السملالي مقود الرجاء والحزب وتلاه محمد الأبيض ثم القيادي عبد العزيز المسيوي، ومنذ بداية الثمانينات إلى الآن لازال الحزب في عهدة الرجاويين، كالفردوس وجودار وقس على ذلك من الأسماء التي لطالما نقلت صراع الكرة إلى السياسة، بالرغم من وجود مد ودادي داخل الحزب ظل يمثله محمد العلوي المحمدي وأنور الزين الناطق الرسمي السابق باسم الوداد وأسماء أخرى حالت دون ترويض الحصان البرتقالي في محمية الرجاء.
في حوار سابق مع رمزي صوفيا، قال محمد أبيض متحدثا عن علاقته بدرب السلطان، «كنت أغتنم الأوقات التي تسمح لمشاهدة الأفلام المصرية عن طريق الفيديو كاسيت وذلك في منزلي، وبالمناسبة فأنا من أشد المعجبين بالراحل أنور وجدي الذي توفي وهو في عز شبابه، كما يعجبني كثيرا الفنان الكبير وعميد المسرح المصري في القرن الماضي الراحل يوسف وهبي، ووسيم الشاشة المصرية رشدي أباظة. لكن إعجابي بالرجاء ولد معي».
دخل محمد أبيض بوابة السياسة من العمل النقابي، فقد كان أحد العناصر القيادية في الاتحاد المغربي للشغل، الذي أسسه وقاده الراحل المحجوب بن صديق. وكان يشغل منصب رئيس لمؤسسة الأعمال الاجتماعية للمكتب الوطني للكهرباء، حيث لعب دورا كبيرا في توفير الشغل لعدد من لاعبي الرجاء البيضاوي. وفي عام 1983 أصبح رئيسا لبلدية الدار البيضاء. وهو موقع مهد له الطريق إضافة إلى علاقته الشخصية مع المعطي بوعبيد ليتقلد في عام 1985، منصب وزيرٍ للصناعة التقليدية والشؤون الاجتماعية، وشغل ذلك المنصب حتى عام 1992.
لكن مناصبه لم تزده إلا ابتعادا عن الأضواء، وإصرارا على التأمل في الحياة. كما يقول رمزي صوفيا في سيرة محمد أبيض: «كثيرا ما كنت أزوره في بيته بالدار البيضاء الذي يطل على البحر مباشرة فأجالسه في شرفة البيت متناولا معه عدة مواضيع. فيذهلني عندما أجده ينتقل من موضوع علمي إلى موضوع سياسي ومن حديث فني إلى كلام عن التاريخ أو الجيولوجيا. لقد عرفت في الأستاذ أبيض اطلاعا كبيرا وذكاء ثاقبا في التحدث عن عظماء التاريخ بطريقة تجعلك تحترمهم كيفما كانوا».
معاش.. رجاوي أصبح يرأس حزب الشورى
كثير من الرجاويين لا يعرفون أن أحد القيادات التاريخية لحزب الشورى والاستقلال قد ترأس الرجاء البيضاوي لسنوات، وحاز مع النادي الأخضر ثلاثة ألقاب في زمن لم تكن فيه الدروع والكؤوس من اهتمامات اللاعبين أو مطالب المناصرين، لأن الفريق ارتبط بالأداء الفرجوي، قبل أن تتغير الأهداف والوسائل. لكن ما يثير الاستغراب في حياة هذا الرجل الذي ترأس حزبا وحارب السلطة وتدخلاتها، وكشف عن دسائس سنوات الرصاص، هو أخ الجنرال أحمد الدليمي، فوالدة معاش أرضعت الدليمي وكان هذا الأخير يقبل يديها ويقول لها أنت أمي.
ولد عبد الواحد معاش في إيموزار الكندر، واسمه الحقيقي هو عبد الواحد العياشي الذي تحول مع مرور الوقت إلى معاش، انتقل من إيموزار إلى فاس لاستكمال دراسته في جامعة القرويين لأن والده رحمه الله كان يريد لابنه أن أصبح فقيها وكان بائعا متجولا للمواد الغذائية، لكن خاب ظنه في عبد الواحد. الذي عشق الكرة منذ طفولته والتحق بفريق القرويين وهو تجمع كروي كان الطلبة يمارسون فيه الرياضة بشكل غير منظم، لكن أثناء عطل نهاية الأسبوع كان يحرص على التوجه إلى الملعب لمتابعة مباريات الوداد والمغرب الفاسيين، وكان من مناصري وداد فاس لأن المغرب الفاسي كان يمثل بالنسبة للبعض البورجوازية المطلقة والوداد يشكل الطبقة الفقيرة من أبناء فاس الجديد. انخرط في حزب الشورى والاستقلال منذ أن كان عمره 13 سنة، وتشبع بروح فكر الحسن الوزاني.
نال عبد الواحد الإجازة في الحقوق وانتقل إلى الدار البيضاء، فانخرط في جمعية محبي الرجاء البيضاوي سنة 1962، قبل أن يصبح رئيسا للفريق. وسجل حضوره القوي في الجامعة وله الفضل الكبير في حيازة الرجاء لكأس العرش سنة 1977. إلى جانب السياسة والرياضة والقانون عرف معاش بحبه الجارف لعندليب الشرق عبد الحليم حافظ، كما كان صديقا للفنانين المغاربة خاصة رجالات الفن الأصيل، ويقول رفاق معاش إنهم تلقوا مرارا دعوة لحضور حفل بمقر إقامته وكانوا يفاجؤون بحضور عبد الحليم حافظ كضيف شرف، حتى بعد اعتزاله الكرة، تردد مرارا على حفلات أهرامات الطرب في القاهرة، كما يملك تسجيلات لأغاني ذكر فيها اسم الرجاء نزولا عند رغبة الرئيس عبد الواحد.
وبالرغم من صداقته الكبيرة مع المعطي بوعبيد، رئيس الاتحاد الدستوري، والوزير الأول الأسبق، فإن معاش لم يفكر في مغادرة حزب محمد بلحسن الوزاني، للالتحاق بحزب بوعبيد والحصول على منصب وزاري أو سلطوي في صيف سنة 2016، وعن سن تناهز 86 عاما، سيرحل عبد الواحد معاش، الأمين العام السابق لحزب الشورى والاستقلال، والرئيس الأسبق لفريق الرجاء البيضاوي، إلى دار البقاء بعد صراع مرير مع المرض.
عرشان.. مؤسس الحركة الاجتماعية رئيسا لاتحاد الخميسات
لا يعلم الكثير من السياسيين أن الرئيس المؤسس لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية محمود عرشان، كان عضوا سابقا في الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ورئيس اللجنة التأديبية بها، وهو المنصب الذي عبر إليه من جسر الاتحاد الزموري للخميسات حين كان رئيسا لهذا الفريق العريق.
وحسب الإعلامي حميد محدوت المتتبع للشأن الزموري، فإن عرشان كان شاهدا على واقعة مباراة غرائبية جمعت فريق موظفي وجدة باتحاد الخميسات بالملعب البلدي لوجدة برسم الدورة الأخيرة من بطولة القسم الوطني الثاني لكرة القدم للموسم الرياضي 70/69، ولأن كلا من الخميسات والبريد الرباطي كانا يتصارعان من أجل حجز بطاقة الصعود إلى القسم الوطني الأول آنذاك، كان كل طرف مطالبا بالفوز وبفارق كبير من الأهداف حتى لا يترك أي أمل لمنافسه في الصعود.
كان فريق الوداد الفاسي يستضيف البريد المحمدي الرباطي، فيما رحل فريق الاتحاد الزموري للخميسات إلى وجدة. كلما سجل فريق البريد الرباطي هدفا في فاس، يرد عليه فريق اتحاد الخميسات بتوقيع هدفين في وجدة. «كانت أطوار المباراتين منقولة مباشرة على أثير الإذاعة الوطنية، قبل أن تصدر تعليمات لإيقاف البث المباشر لهما، بعد أن افتضح أمرهما وشاع خبر التلاعب. وهكذا انتهت مباراة ملعب الحسن الثاني بفاس بانتصار البريد الرباطي على الوداد الفاسي بحصة 14 هدفا مقابل صفر، فيما سحق الاتحاد الزموري للخميسات مضيفه فريق موظفي وجدة بحصة 22 هدفا مقابل صفر».
أصدرت الجامعة التي كان عرشان رئيس لجنتها التأديبية، قرارا بتوقف اتحاد الخميسات لمدة سنة، وتفرق نجومها بين الفرق. «أما الرئيس محمود عرشان فقد استغل فرصة التوقيف لتكسية أرضية الملعب البلدي بالعشب الطبيعي بعد أن كان أرضية صلبة ومتربة»، يضيف محدوت.
القادري.. خلطة الرياضة والسياسة والسلاح
قبل أن يترأس عبد الله القادري الحزب الوطني الديمقراطي، الذي أنشأه سنة 1982 قبل اندماجه سنة 2009 مع أربعة أحزاب سياسية لينبثق عنها حزب الأصالة والمعاصرة، كان الرجل حريزي الانتماء، عقيدا سابقا في القوات المسلحة الملكية المغربية. كما شغل منصب رئاسة مجلس بلدية برشيد لسنوات.
«عبد الله القادري، وهو أول رئيس مجلس بلدي منتخب لبرشيد جلس على كرسي رئاسة الفريق الكروي للمدينة، فانفض من حوله الخصوم السياسيون، المنتمون والمتعاطفون مع حزب الاتحاد الاشتراكي، وأسسوا فريقا جديدا أسموه فريق الجمعية الرياضية، ألبسوه الزي الحزبي الأصفر، لون المرشح الاتحادي في الانتخابات البرلمانية. لم يعمر الفريق الأصفر طويلا بسب الضائقة المالية، وعاد للاندماج في حضن الفريق الأصيل، يوسفية برشيد»، يقول المؤرخ الجيلالي طهير.
على الرغم من تكوينه العسكري، إلا أن عبد القادر القادري ابتعد طوعا أو كراهية عن الثكنات منذ أن عاش رعب انقلاب الصخيرات، بل إن الرجل وخلافا للعساكر، دخل عالم السياسة حيث عينه الملك الحسن الثاني وزيرا للسياحة وهو التعيين الذي لم يمض فيه سوى ثمانية أشهر.
اعتمد الحسن الثاني على القادري لكسر شوكة الكتلة الوطنية، وصنع به خلطة الوفاق، لكن الملك جدد غضبه من القادري، حين ساهم هذا الأخير في اختيار أرسلان الجديدي كاتبا عاما للحزب الوطني الديمقراطي، يقول القادري إن الحسن الثاني مرر غضبته بطريقة لبقة حين قال: «بغيتوه دبرو راسكم»، وجسد إدريس البصري التوجه الملكي ميدانيا حين أشرف على الانتخابات التشريعية والتي انتهت بخسارة الحزب الجديد في استحقاقات سنة 1984.
حين تقاعد القادري من الجيش، وهو شاهد عيان أساسي على الانقلاب الذي عرفه قصر الصخيرات، التحق بحزب التجمع الوطني للأحرار قبل أن ينشق رفقة أرسلان الجديدي عن هذا التجمع «المدني»، ويضعان اللبنة الأولى للحزب الوطني الديمقراطي رفقة خلي هنا ولد الرشيد وغيرهم من الأسماء التي عاتبت التجمعيين على ميولاتهم البورجوازية. ويعتبر القادري من نوادر العمل السياسي إذ يبدو الانتقال من الثكنة إلى مقر حزب أمرا عصي الفهم. لاسيما وأن ابن مدينة برشيد دخل سريعا الحياة الانتخابية وأصبح في ظرف وجيز رئيس مجلسها وبرلماني المدينة الذي لا يشق له غبار، لكن الحزب أصبح مع مرور الزمن في ذمة التاريخ.