هناك محطات في حياة المدربين لا تنسى مهما بلغت شهرتهم، بالرغم من المعاناة التي ميزتها. غالبا ما يكون مخاض البدايات قاسيا لكن الحديث عنه بعد بلوغ ضفة النجاح يصبح ممتعا.
عالم المدربين مليء بالحفر، مسارهم فيه مد وجزر، قصص نجاحهم كتبت أولى سطورها بحبر الألم، لم يولد مدرب وفي فمه صفارة وفي كفه عداد وتحت إبطه دفتر بيانات. لقد قضوا طفولتهم وشبابهم في نفق الحياة يتلمسون مخرجا.
حسن البصري:
عندما تكون الإرادة والعزيمة والتحدي سلاح المدرب، مهما كان تخصصه، فإن النجاح والتميز يتربصان به في منعرج الطريق، فالنجاح يولد أحيانا من رحم المعاناة وكثير من النجاحات بنيت على أنقاض النكبات، خاصة حين يتعلق الأمر بمهنة التدريب التي تتطلب جهدا أكبر واستنفارا يوميا ومعرفة واسعة بمكنونات البشر.
قصص هؤلاء المدربين تستحق أن تحكى، والأجمل أن تترك أثرا في أجيال متعاقبة، ليتعلم منها المتطلعون للسير في درب التدريب والنجومية ويستخلصون الدروس والعبر.
لكن هناك من يملك الجرأة الكافية للكشف عن معاناة البدايات فيحولها إلى دروس للاعبين الواعدين، وهناك فئة تفضل التستر على خطواتها الأولى حين كانت في الوحل.
لقد تعاقب على تدريب منتخبنا الوطني أزيد من أربعين مدربا منهم المحليون والأجانب، لكل منهم قصة نجاح قادته إلى غرفة عمليات الفريق الوطني المغربي ومنتخبات وأندية أخرى، منهم من لا يجد حرجا في البوح بها ومنهم من تكتم عليها حتى لا يخدش سيرته الذاتية ويصبح عرضة لسخرية الخصوم.
يضيق المجال للغوص في مسارات كل المدربين، لهذا سنكتفي بأبرز قصص نجاح من رحم المعاناة.
وليد الركراكي.. من عامل موسمي بمطار «أورلي» إلى ناخب وطني
لا تختلف كثيرا أحلام سكان المناطق الشمالية، حيث يسكن هاجس الهجرة إلى الضفة الأخرى أغلب قاطني المدن المطلة على مضيق البوغاز. عاشت عائلة الركراكي حياة قاسية اضطرت معها إلى مغادرة مدينة الفنيدق إلى إسبانيا ومنها إلى فرنسا، بعدما اشتغلت فترة قصيرة في مجال السلع المهربة، على غرار سكان المدينة والمدن الشمالية المجاورة، في فترة كانت فيها مدينة الفنيدق «كاستيخو» نقطة عبور وفضاء لتجارة السلع القادمة من شبه الجزيرة الإيبيرية.
هاجرت الأسرة إلى الديار الفرنسية وتحديدا إلى مدينة كورباي إيسون، ضواحي العاصمة باريس. هناك خرج وليد إلى الوجود في 23 شتنبر 1975، وعاش طفولة صعبة فيما ظل الوالد متمسكا بخيوط تشده إلى مسقط الرأس والقلب، بعدما اضطر إلى الاشتغال في أوراش البناء، فيما عثرت الوالدة على فرصة شغل كمنظفة في مطار أورلي بباريس.
ترعرع وليد بين خمسة إخوة، وكانت الوالدة تكد من أجل تربتهم ورعايتهم في حين ظل الوالد يغالب حب الفنيدق، ويصر على أن يعيش حياته ويقتات من التجارة.
في كورباي إيسون، تعلم وليد أبجديات كرة القدم مع أندية محلية، وظل يوفق بين الدراسة والكرة والعمل، إذ دخل مجال الشغل مبكرا كمساعد لوالدته التي تشتغل في المطار حيث كان الفتى يرافقها أيام العطل بحثا عن لقمة عيش مبللة بالعرق.
كلما حل بالمغرب رفقة والدته، أصر وليد على قضاء العطلة الصيفية في ملاعب الكرة وشاطئ البحر. كان يمارس لعبته المفضلة في الملعب البلدي للفنيدق إلى أن تم إغلاقه، الأمر الذي لم يثن وليد عن لعب الكرة، ما اضطره أحيانا إلى قطع مسافة طويلة، للوصول إلى ملاعب «الملاليين» قرب مدينة تطوان.
يقول محمد الركراكي، والد المدرب الوطني، إن لهفته وحبه للكرة كانا يغضبان عائلته حين يتأخر ليلا في بلوغ البيت، بسبب إصراره على اللعب بعيدا عن الفنيدق.
حين يعود أفراد العائلة إلى فرنسا، يصر الفتى وليد على تدبر كسرة الخبز، والجمع بين الرياضة والدراسة والشغل في ثلاثية عسيرة. كان يؤلمه مشهد والدته وهي تستيقظ في ساعة مبكرة من الصباح وتتوجه إلى مطار أورلي لتبدأ شغلها المتعب. كان يريحها تارة ويساعدها تارة أخرى، لكنه لم يفرط أبدا في الركض خلف الكرة.
بعد أن تألق في الحي، وقع أولى عقوده في باريس مع نادي راسينغ الباريسي المنتمي لدوري الدرجة الثانية، وحين سطع نجمه انضم لتولوز في القسم الأول ومنه عبر إلى المغرب في تجربة مع المنتخب المغربي بدعوة من المدرب البرتغالي همبيرتو كويلهو، سنة 2001، على سبيل الاختبار، ليتحول وليد منذ ذلك الوقت إلى أحد أعمدة منتخب أسود الأطلس، ويلعب مع كل من بادو الزاكي وامحمد فاخر إلى أن قرر الاعتزال دوليا، بعد لعبه أزيد من 50 مباراة بقميص الأسود.
عندما أصبح لاعبا محترفا، توقف عن دراسته الجامعية، وألح على والدته بوقف العمل في المطار، فلم يعد في الحياة متسع للإجهاد، خاصة بعد أن كانت واجهة الفريق الوطني مدرة للرزق، سيما بعد المشاركة المتميزة لوليد مع المنتخب الوطني المغربي في نهائيات كأس أمم إفريقيا بتونس سنة 2004، وما تلاها من تجارب احترافية مع أجاكسيو ومع راسينغ سانتداير الإسباني وديجون وغرونوبل بفرنسا. ولأن وليد اختار الكرة عالما له، فقد تمسك بعد اعتزاله كلاعب بالاستمرار في مجال التأطير.
بعد اعتزاله، قرر وليد الركراكي التوجه إلى التدريب حين اكتشفه المدرب الفرنسي رودي غارسيا، وضمه إلى السلك التدريبي، وحصل بفضل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على فرصة العمل كمساعد لمدرب المنتخب الوطني، رشيد الطاوسي وانتهى ناخبا وطنيا.
هيرفي رونار.. المدرب المغمور الذي جمع القمامة من أجل العيش
لا يمر يوم دون أن يستحضر المدرب فرنسي الجنسية هيرفي رونار والدته ويعترف بفضلها عليه. في إحدى ندواته الصحفية خلال مونديال قطر، قال المدرب الحالي للمنتخب السعودي والمدرب السابق للفريق الوطني المغربي: «اليوم والدتي حضرت المباراة في المدرجات، وهي لم تشاهد كأس عالم قط في حياتها».
ولد هيرفي في 30 شتنبر 1968 بإكس ليبان في فرنسا من أب فرنسي وأم ذات أصول بولونية، وعاش طفولة صعبة كشف بعض تفاصيلها، ومدى ارتباطه بوالدته دانيلا، ومساهمتها بشكل كبير، في ولوجه ميدان التدريب.
مارس هواية الكرة لكن حلم النجومية الذي كان يسكنه لم يتحقق له كلاعب، فاعتزل اللعبة وشعر بحاجته إلى المال. «لم يكن متكبرا بل تعامل مع أوضاعه المالية بكثير من البساطة والعقلانية، إذ اضطر هيرفي، بعد اعتزال كرة القدم نهاية التسعينيات، إلى العمل في مجال النظافة وجمع القمامة من المكاتب في إحدى الشركات»، تقول والدته.
لكن طموحه سيدفعه إلى التفكير في الانتقال من أجير في شركة للنظافة والحراسة إلى صاحب مقاولة، إذ اهتدى إلى تأسيس شركة لتنظيف المحلات التجارية وجمع القمامة ليلا عن طريق المناولة. وقد امتهن تلك المهنة التي كان يقضي من أجلها ساعات بين نقط جمع القمامة وشركات تحويل النفايات، قبل أن يحترف التدريب.
قال هيرفي في حوار صحافي: «كنت أجمع القمامة في فرنسا لمدة ثمان سنوات، والآن سأخوض نهائي كأس أمم أفريقيا من يصدق؟ لقد فشلت في إثبات الذات في أندية فرنسية مغمورة كلاعب وقررت تكرار التجربة كمساعد مدرب ثم كمدرب مع فريق دراجينيون الفرنسي إلى غاية 2001».
صرف هيرفي رونار النظر عن النظافة، ودخل عالم التدريب عبر بوابة إفريقيا مع زامبيا والكوت ديفوار والمغرب، وأصر على أن يصبح مدربا كامل الأوصاف، ويختار في آخر محطاته تدريب المنتخب السعودي.
حين حل رونار ضيفا ببرنامج «غرفة الملابس»، سئل عن سر نجاحه في عالم التدريب مقابل فشله كلاعب فقال: «إن كان هناك شخص ما يعود له الفضل في ما وصلت إليه في مساري الرياضي، فبالتأكيد والدتي، فهي من منحتني كل المفاتيح لكي أواجه هذا العالم، منحتني أيضا مجموعة من القيم الإنسانية، كانت صارمة معي في تربيتي، لكن صرامتها كانت في الاتجاه الصحيح».
فيليب تروسيي.. مساعد الجزار الذي سيدرب منتخب المغرب
ولد فيليب تروسيي في 21 مارس 1955 في منتراي لوشتيف الفرنسية، وكان والده يعمل في مجال بيع اللحوم، ومن المفارقات أن هذه الصفة هي قاسم مشترك بين المدربين الفرنسيين الثلاثة الأشهر وهم تروسيي وإيمي جاكي وجيرار هوليي.
ولد فيليب وسط عائلة تتكون من ستة أبناء هو أكبرهم، وقد عاش طفولة صعبة على غرار أقرانه، تمكن من ممارسة هواية الكرة على الرغم من الصرامة التي كان يتسم بها والده برنار ووالدته لوسيان.
كان الوالد يصر على أن يقضي فيليب ساعات في محل بيع اللحوم وساعده في مهمته، خاصة حين يتعلق الأمر بتوصيلات للزبائن، بالرغم من جاذبية الكرة التي كانت تأخذه من العالم «الدموي».
بعد نجاحه في دراسته الإعدادية، قرر الوالد أن يدرس فيليب تخصصا تقنيا وهو الإلكتروميكانيك، كان يريد أن يفتح ابنه يوما ورشة إلى جانب متجره، وبعد فترة استطاع الولد أن يقنع والديه باللعب لأحد الأندية، خاصة أن حلمه الكبير أن يصبح يوما لاعبا لا جزارا.
في الـ21 من عمره وقع تروسيي لنادي أنجولام ليدافع عن ألوانه موسمين حتى 1978، ومن أنجولام انتقل إلى نادي ريدستار الباريسي ولعب له موسما واحدا، وكانت محطته الثالثة كلاعب محترف في نادي روان وبقي في صفوفه حتى عام 1981 لينتقل على إثرها إلى نادي لانس.
ولأنه كان معروفا بـ «ابن الجزار» أكثر من هويته كلاعب كرة، فقد غير فيليب وجهته صوب التدريب، وبدأ الرحلة من محطة نادي ألونسون المغمور الذي يلعب في الدرجة الرابعة، بعد أن حصل على دبلوم تدريب من الدرجة الثالثة، واستمر مشواره ثلاث مواسم اكتسب خلالها خبرة كبيرة أهلته لكي يدرب نادي ريدستار الذي لعب له في بداية مشواره الاحترافي ومنه إلى كريتيل قبل أن يطرق باب الهجرة.
رفض والده خيار الهجرة واقترح عليه خلافته في محل الجزارة أو إنشاء محل لـ «لالكترو ميكانيك»، لكن فيليب هاجر إلى الكوت ديفوار في عام 1989، ولم يكن له أي ذكر على خارطة المدربين الفرنسيين في ذلك الوقت، ومع نادي أسيك أبيدجان دخل غمار التدريب الحقيقي ليصبح بعد سنة واحدة مدربا للمنتخب الإيفواري. كما أشرف على تدريب كيزرشيف الجنوب إفريقي، وعلى الرغم من تحقيقه لقب الدوري إلا أنه فضل الانتقال إلى المغرب للعمل في نادي القرض الفلاحي ثم الفتح الرباطي والمنتخب المغربي.
خليلوزيتش.. تطوع للجندية في فصيل عسكري بوسني
ولد وحيد خليلوزيتش في منتصف أكتوبر 1952 في مدينة يابلانيتشا اليوغسلافية، قبل أن تتغير الخريطة ويصبح جزءا من تاريخ البوسنة. عاش طفولة صعبة بعد أن فقد والده وذاق مرارة اليتم، فاضطر للعمل كمياوم من أجل كسب لقمة عيش دون أن يفارقه حلم ممارسة الكرة والعيش مما تدره من مال على ممارسيها.
كشفت مجلة «داني» الكرواتية عن جزء من طفولة وحيد، خاصة فترة وفاة والده ومحنة الحرب الأهلية التي عاش أطوارها، يصر المدرب السابق للمنتخب المغربي، على استلهام قوته وعزيمته من مناخ الحرب البوسنية التي عاصر أطوارها وقضى فيها سنينا عجافا، جعلته يرى الموت والمآسي بأم عينيه، ويتحول إلى مساعد متطوع في نجدة أطفال مشردين، وأمهات مكلومات، وأبرياء في عداد الموتى، في حرب ضروس خاضتها البوسنة والهرسك وجمهورية يوغوسلافيا وكرواتيا من مارس 1992 إلى نونبر 1995.
في تصريحات صحفية، أكد خليلوزيتش أنه شاهد الموت بأم عينيه، حين هاجمت القوات الصربية والكرواتية مسلمي البوسنة، لمطالبتهم بالاستقلال عن أراضي يوغوسلافيا، موضحا أن عائلته، التي كانت تعيش بمنطقة «موستار»، كانت مرعوبة بسبب صوت الرصاص الذي يلعلع في كل الأرجاء، وفي جميع الأوقات، ما دفع بخليلوزيتش للخروج من منزله، والوقوف على مرمى حجر من جنود الجيش الفيدرالي، قائلا: «كفانا قتالا.. هذه فاشية». بهذا الموقف اعتبر وحيد نفسه ميتا في تلك اللحظة، حيث صوب الجنود بنادقهم في وجهه، فتصلب في مكانه كتمثال حجري، إلى أن أعلمه أحدهم بالقول: «لا تقترب خطوة أخرى إلى الأمام، وإلا ستقتل».
عاد خليلوزيتش إلى منزله مرتعبا، غير أنه قرر الرجوع إلى ساحة القتال، دفاعا عن بني جلدته، فحمل سلاح «كلاشنيكوف»، مدفوعا بمآسي العائلات البوسنية المسلمة التي فقدت فلذات كبدها، غير أنه حمل السلاح بالشكل الخاطئ، فأصيب برصاصة في إحدى كليتيه، كلفته شهورا من العلاج.
ولعل تجربة الحرب البوسنية كان لها وقع إيجابي على خليلوزيتش الذي فتح صفحة جديدة في مشواره الكروي، وهذه المرة في مجال التدريب، حيث بدأ مسيرته التدريبية في مستهل الأمر في مسقط رأسه لينتقل بعد ذلك للتدريب في الخارج.
وقال خليلوزيتش في تصريح صحفي: «لقد عشت أوقاتا صعبة في بلدي، البوسنة والهرسك، أيام الحرب الأهلية عام 1992، فقد فقدت كل ما أملك، بعدما خرب الجيش الصربي كل شيء ولم يبق طعم لحياتي بعدما صرت دون أموال وسقف يأويني أنا وعائلتي ونجونا بأعجوبة من الموت المحقق، وقررت الرحيل ومن ثم الهجرة».
حين عين الحسن الثاني معارضا رومانيا مدربا للمنتخب
«حين اشتد بطش الديكتاتور الروماني تشاو شيسكو، ازدهرت الرياضة الرومانية»، هكذا يقول الرومانيون الذين برزوا في مجالات رياضية عديدة، ومنهم من اضطر للهجرة إلى دول أخرى خوفا من حاكم كان يمسك خيوط كل القطاعات.
فريجيل مارداريسكو واحد من معارضي هذا الحاكم. ولد في 15 يونيو 1921 في بوخارست، لعب لفرق رومانية أقل إشعاعا خاصة دينامو بيتيستي وأرغيسول، وانتقل إلى عالم التدريب، قبل أن يجد نفسه مدربا للمنتخب المغربي في الفترة ما بين 1974 و1978، وحقق معه الكأس الإفريقية اليتيمة التي في حوزة الفريق الوطني.
في سنة 1974، تعاقدت جامعة كرة القدم مع مدرب روماني كان طالبا للجوء السياسي في واشنطن، انتقل الرجل إلى المغرب وفي قلبه خوف لا يقاوم، كان يعقد المواعيد مع أعضاء الجامعة ثم يغير مكانها في آخر لحظة، وكأن شبح الحاكم لا يفارقه، قبل أن يطمئنه الملك الحسن الثاني ويعين عساكر لحراسة مقر سكناه ومديرا تقنيا بدرجة كومندار اسمه المهدي بلجدوب.
التقى الملك الراحل الحسن الثاني بالمدرب ماردارسيكو مرتين، لأنه غالبا ما يجد صعوبة في التواصل معه، وكان يصدر ملاحظاته للكومندار المهدي بلمجدوب الذي ظل يرافقه كظله، في المرة الأولى قبل سفر الفريق الوطني المغربي إلى إثيوبيا لخوض نهائيات كأس أمم إفريقيا عام 1976، والثانية أثناء العودة من «بلاد الحبشة».
على الرغم من فوز المنتخب المغربي بكأس أمم إفريقيا سنة 1976، إلا أن الحسن الثاني رفع سقف الطموحات، وقال للمهدي في لقاء بالقصر الملكي، «لقد فرحتم بما فيه الكفاية بكأس إفريقيا، الهدف الآن هو كأس العالم فلا يعقل أن يغيب منتخب فائز بكأس أمم إفريقيا عن مونديال الأرجنتين سنة 1978، تفصلكم عن الحدث سنتان تكفيان لترميم الصفوف من أجل حضور قوي في هذا الحدث».
لكن هذا المنتخب الحائز على كأس أمم إفريقيا ستطارده لعنة الإقصاء، فيعجز عن التأهل لمونديال الأرجنتين بعد هزيمة بضربات الترجيح ضد المنتخب التونسي في ملعب المنزه، كما سيوقع على مشاركة سيئة في نهائيات كأس أمم إفريقيا بغانا حين ذهب منتخبنا إلى كوماسي للدفاع عن اللقب فخرج من الدور الأول ضد كل التوقعات، ما جعل الملك الحسن الثاني يقرر إقالة المدرب مارداريسكو.
لم يعد مارداريسكو إلى بلده رومانيا بل اختار الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مرافقا لابنه ميرسيا الذي أصبح لاعبا بنادي كوسموس الأمريكي، اعتزل مدرب المنتخب الوطني السابق مهنة التدريب وعاش حياته متقاعدا إلى أن توفي يوم 11 يونيو 2003 في كاليفورنيا.
فاريا.. عامل بشركة للمحروقات يقود المنتخب للمونديال
ولد المهدي خوسي فاريا في 26 أبريل 1933 بمدينة ريو ديجانيرو البرازيلية، وكباقي أقرانه فقد نشأ على حب كرة القدم وترعرع على شغفها ورضع من عشقها، عندما اشتد عوده لعب كمهاجم لبعض الأندية البرازيلية كبونسوسيسو، بانفوو فلومينينسي، ولكن بريقه كلاعب لم يتجاوز الشاطئ، إلى أن عرج إلى مجال التدريب كباقي اللاعبين الذين لا يستطيعون العيش بعيدا عن الساحرة المستديرة.
في بداياته كلف بتدريب شبان فريق فلومينينسي من سنة 1968 إلى سنة 1979، احتك بعالم التدريب واكتسب الخبرة والرؤية التي تشفع له أن يغادر بلده للبحث عن مجده، وسافر سنة 1979 إلى قطر ليدرب المنتخب العنابي لأقل من 20 سنة، قبل أن يجد نفسه مطوقا بعرض لتدريب الجيش الملكي والمنتخب المغربي.
في فترة شبابه اشتغل فاريا في مخزن للمحروقات، وسافر إلى قطر أملا في الاشتغال بإحدى شركات النفط وهو يحمل شهادة تدريب في ذات المجال، لكنه وجد نفسه مدربا لمنتخب الشبان. وتقول بعض الروايات إن عدم حصوله على الجنسية المغربية، بعد إنجازاته رفقة أسود الأطلس، يرجع لكونه موظفا متقاعدا لدى الشركة البرازيلية لاستغلال النفط، وظل يتقاضى منها معاشا للتقاعد وكانت قوانين البرازيل تسقط المعاش عند تغيير الجنسية.
عاش الرجل صعوبات مادية في بداية مساره المهني، وعاش وضعا متأزما في نهاية حياته حين كان يقطن في شقة بمدينة القنيطرة، تؤدي إيجارها مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، حيث لقي المهدي فاريا ربه مكسور الوجدان بسبب الجحود الذي عاشه من طرف لاعبين صنع مجدهم فأداروا ظهورهم له، بل إن الكثير منهم لم يكلفوا أنفسهم عناء تقديم واجب العزاء.
جيست فونتين.. من قساوة العيش بمراكش إلى هداف بكأس العالم
كلما زار جيست فونتين، الهداف التاريخي للمونديال ومدرب المنتخب المغربي في بداية الثمانينات، المغرب أصر على زيارة مدينة مراكش وملعب فيليب بالدار البيضاء، حيث يذرف دموعا غزيرة وهو يقف في ملعب أصبح يحمل سام العربي بن مبارك، متأملا التحولات التي عرفها المكان، مسافرا في رحلة يستحضر من خلالها اللحظات القوية التي عاشها في هذا الملعب والأهداف التي سجلها.
قال جيست: «حين انتقلت من مراكش إلى الدار البيضاء لأوقع لنادي اليسام وأنا في عز شبابي، كنت أقطن غرفة بالقرب من غرف الملابس، لهذا أعتبر نفسي جزءا من ديكور الملعب، هنا بدأت علاقتي مع الشباك قبل أن أنضم إلى نادي نيس وأنطلق نحو الاحتراف، في هذا الملعب عشت كلاجئ».
في زياراته للمغرب حرص فونتين على زيارة مسقط رأسه بمراكش، ويتوقف كثيرا في ساحة المدرسة التي تعلم فيها أولى الدروس، كما التقى مدرسة طاعنة في السن رافقته في بداية علاقته بالفصل الدراسي، كما تحدثت للتلاميذ عن شغبه الطفولي وعن العلاقة الوجدانية بين التلميذ جيست والكرة، وعن معاناته في طفولة قاسية.
رأى فونتين النور بمدينة مراكش يوم 18 غشت عام 1933، وسط عائلة بسيطة تتدبر بالكاد قوتها اليومي. لعب لنادي «الصام» المراكشي ومنه انضم لنادي «اليسام» البيضاوي، ثم انضم لمنتخب فرنسا وشهد أوج تألقه في منافسة كأس العالم التي أقيمت بالسويد سنة 1958 حين سجل 13 هدفا في 6 مباريات.
كلما زار الدار البيضاء يصر فونتين على صلة الرحم مع كل الأيادي البيضاء التي امتدت إليه، ولا يجد حرجا في الكشف عن تعايشه مع الفقر والخصاص وامتهانه حرفا جانبية تدفئ مداخليها جيبه.
وقبل مغادرة الدار البيضاء، يصر الرجل على الجلوس في مقهى عتيقة بالدار البيضاء كان يواظب أثناء شبابه على زيارتها، وتحمل اسم «مارسيل سيردان» لصاحبها بطل الملاكمة السابق.