حسن البصري
في المقهى المقابل لمقر الجريدة، جمعتني الصدفة بصديق مصري يشتغل في قطاع السياحة، ولأنه كان المشرف على رحلة بعثة نهضة بركان إلى الجزائر، دفعني الفضول الصحفي لأسمع كواليس رحلة «اعتقال القمصان» بلسان شاهد عيان، وأكتشف تفاصيل حكاية تستحق أن أتقاسمها معكم لتقفوا على نظام يسكنه التوجس والقلق.
وصل صديقنا المصري إلى الجزائر العاصمة قبل يوم واحد عن موعد وصول بعثة نهضة بركان، زار الفندق الذي حجزه للفريق المغربي، وألقى نظرة على المرافق المتفق عليها، وتأكد من جاهزية حافلة وضعها اتحاد العاصمة الجزائري رهن إشارة الفريق البركاني.
ولأن «كل شيء تمام» على حد تعبير المسؤول المصري، توجه صباح اليوم الموالي إلى مطار هواري بومدين لاستقبال وفد النادي البركاني وفي الطريق رتب مع سائق الحافلة البرنامج الذي كان مقررا أن يستهل بأداء صلاة الجمعة في أحد مساجد العاصمة.
توجه صديقنا المصري إلى المطار رفقة صحفي جزائري تجمعه به علاقة صداقة قديمة، وفور وصولهما انتبه المسؤول عن الشركة السياحية إلى ضرورة اقتناء بعض شرائح الهاتف المحمول لكل غاية مفيدة، تكلف الصحفي الجزائري باقتنائها من محل في المطار.
فجأة طوق المخبرون المسؤول المصري، واستفسروه عن هويته وسبب تواجده في انتظار الفريق المغربي، كشف عن هويته وأسباب النزول وأكد لهم أن استقبال الفريق من صميم مهامه.
تحركت الهواتف واشتغل «التالكي ولكي» واعتقد مخبرو المطار أنهم وضعوا اليد على صيد ثمين، خاصة حين جاء الصحفي وفي يديه شرائح هواتف. اقتيد إلى مكتب حيث خضع للاستنطاق بينما طلب من المصري مغادرة المطار وانتظار الفريق البركاني في الفندق، لكن الرجل رفض واشترط إطلاق سراح رفيقه الصحفي الجزائري الذي جاء يبحث عن سبق صحفي فوجد نفسه مطوقا بالمخبرين.
هدد المسؤول عن رحلة الفريق البركاني بإشعار السفارة المصرية بالنازلة، فتراجع مخبرو المطار عن قرارهم وبادروا إلى الإفراج عن الصحفي الجزائري بعد مصادرة شرائح الهواتف والتأكد من محتوياتها، كما حاولوا ترضية المصري بعبارات فيها نوع من التودد المفضوح لأم الدنيا.
بعد ساعة من الترقب انتابت الصحفي الجزائري نوبة خوف، فهو يعرف أكثر من غيره أن تهمة «العمالة للمغرب» جاهزة. عاد رفقة صديقه إلى الفندق بناء على تعليمات صارمة من أمن المطار في الوقت الذي كانت عناصر الفريق البركاني رهن الاعتقال بسبب خريطة على القمصان.
في الفندق سيكتشف صديقنا أن مخبرين جزائريين أخذوا أماكنهم في البهو والمطعم وفي موقف السيارات وصالة الجاكوزي، وأن تعليمات صارمة أعطيت لسائق الحافلة كي يصغي جيدا لما يدور في الحافلة وأن ينقل تفاصيلها إلى مخبر في حالة تأهب قصوى.
تبين أن كل مباراة يكون طرفها مغربيا، تعزز قاموس الهجاء وترفع درجة الاستنفار عند جيراننا، الذين انتقلوا من تأميم المناجم إلى تأميم رؤساء الفرق والمحللين.
حين كان صديقي المصري يروي فصول «مكر مفر» مع مخبري النظام الجزائري، قفزت إلى ذهني حكاية عشت أطوارها في مدينة حماة السورية، خلال مواجهة كروية جمعت الطليعة السوري بالوداد المغربي، سنة 2008 برسم منافسات كأس العرب.
في رحلة من دمشق إلى حماة امتدت لأكثر من ساعتين، توقفت بنا الحافلة في مدينة حمص حيث تناولت البعثة الودادية وجبة غداء شامية، توجهت إلى دورة المياه لأغتسل، ففوجئت بالسائق السوري ينزع بذلته ليتوضأ دون أن ينتبه إلى حزام فيه غمد مسدس.
تملكني الرعب في ما تبقى من مسافة، وستغلق الشهية بابها، وفي غفلة من السائق سأنبه رئيس البعثة إلى وجود مخبر خلف المقود، فأصدر قرارا يدعونا لابتلاع ألسنتنا.