حسن البصري
في نهاية شهر يناير 2004، قدر لي أن أعيش طقوس عيد الأضحى في مدنية المنستير التونسية. في فندق «طلاسا» الذي تلامسه نسائم البحر الأبيض المتوسط، سنستنشق رائحة «المشوي»، ونتبادل مع أشقائنا الذي كتب لهم قضاء يوم العيد في مدينة بورقيبة.
حين اقترب عيد الأضحى غير عمي البكوش، سائق الحافلة، التي تقلنا نحن معشر الصحافيين من الفندق إلى الملاعب، موجة كلامه، وأصبح يردد كلمة «العلوش» في حديثه مع العاملين في الفندق، سنعرف في ما بعد أن «العلوش» هو الخروف باللهجة التونسية.
سنلاحظ في جولاتنا بمدينة المنستير، أن التونسيين يحرصون على التجول برفقة أكباشهم، أو «علاليشهم»، حتى لا يظلوا أسرى بالشقق. كان المشهد كفيلا بأن يرفع درجة الفضول الصحافي، ويشعل جدل المقارنة بين أكباشهم وأكباشنا.
في مقر إقامة المنتخب الوطني لكرة القدم، كان اللاعبون المحليون يسخرون من لاعبين مستوردين لا يجيدون نطق كلمة «حولي»، قبل أن يروضوا ألسنتهم على أن تستقيم الكلمة.
في نفس الفندق أقامت البعثة الرياضية المصرية، وكان زملاؤنا في مهنة المتاعب يسألون عن طقوس العيد، بعد أن توقفت منافسات كأس أمم إفريقيا، لتفسح المجال للمنتخبات الإسلامية بنحر الأضاحي والاستمتاع بمناسبة دينية.
تبين أن مكونات المنتخب المصري منشغلة بالأضحية أكثر من الاهتمام بمباراة الجزائر، وتأكد أن نصف لاعبي الفريق المصري فقهاء دين يفتون في تفاصيل الأضحية وشروط نحرها.
وحين شعر محمد مفيد، رئيس البعثة المغربية وممثل الجامعة الملكية المغربية، بالسؤال المصادر في دواخلنا، اقترب منا وبشرنا بشواء وبولفاف دبلوماسي.
«ستقوم سفارة المغرب في تونس بذبح خروف وطهيه على الطريقة المغربية، ثم نقله إلى المنستير ليكون وجبة غدائنا. العيد لكبير هو إلا فرحنا المغاربة بالكأس».
في يوم العيد، استيقظنا على استنفار غير عادي لمستخدمي الفندق الذين تقلص عددهم، فقد تحلق لاعبو المنتخب المصري حول خروفين يعيشان آخر دقائقهما، حمل مدرب الفريق محسن صالح سكينه ونحر الأضحية أمام تصفيقات اللاعبين، قبل أن يناول السكين لرئيس البعثة.
قبل أن يصل خروف السفارة ملفوفا في قماش أبيض، تلقينا نحن معشر الصحافيين دعوة من مغربي في غربة المنستير، فتقاسمنا معه «علوشه» وشربنا كؤوس الشاي، ثم عدنا إلى الفندق، حيث يواصل أشقاؤنا المصريون اختراقهم للمواقع المتقدمة في جسد خروفين تحولا إلى أشلاء.
في المساء تلقينا دعوة من زملاء صحافيين جزائريين كانوا يقيمون في مدينة سوسة التي تبعد عن المنستير بعشرين كيلومترا، في بوابة الفندق صافحنا المدرب رابح سعدان واستعدنا ذكرياته مع الأندية المغربية.
قال سعدان مازحا: «العيد والهزيمة لا يتعايشان»، في إشارة إلى خسارة المنتخب الجزائري أمام زيمبابوي بهدفين مقابل هدف واحد، ما أفسد على الرجل أجواء عيد الأضحى الذي قضاه اللاعبون في مقر إقامتهم بسوسة.
كان جمال بلماضي حينها لاعبا نجيبا يقف باحترام أمام سعدان، وكان حفيظ الدراجي صحافيا يحمل على ظهره علامة «90»، باعتباره حديث العهد بالقيادة في عالم الصحافة يعيش فترة تأهيل.
أذكر أن مكلفا بالأمتعة أشاد باللاعب الجزائري زافور، وقال للمدرب سعدان: «سي رابح واو كن شفت اللاعب زافور يعرف يذبح»، قاطعه رابح: «جبناه يلعب ماشي يذبح».
لكن السؤال الذي تراقص أمام ذهني، وأنا أغادر سوسة على متن سيارة أجرة للنقل الجماعي:
«شكون غادي يعيد بلاخر؟»، يستمد السؤال شرعيته من مباراة مصيرية كانت ستعقب العيد، وتجمع المنتخب المغربي بنظيره الجزائري، في مدينة صفاقس جنوب تونس.
انتصر منتخبنا وأصبح للمشوي طعم آخر.