حسن البصري
انتهى فاصل المباريات الدولية، أو ما يعرف بتواريخ «الفيفا»، وستعود الجماهير في ربوع العالم إلى بطولاتها المحلية، وهي تحصي النقاط المحصل عليها وتقرأ كف التأهيل إلى مونديال أمريكا.
شكل المغرب استثناء بين جميع الدول التي خاضت التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم، لأنه لم يكتف بإجراء مباراتين في وجدة وطي صفحة التأهيل، بل استقبل خمسة عشر منتخبا إفريقيا، قضت ما لا يقل عن عشرة أيام بين ظهرانينا، لعبت وتدربت وسكنت وتربصت وتنقلت، انتصرت تعادلت انهزمت، وحين غادرت بلادنا شكرت.
بالرغم من أوراش العمل التي تعرفها تسعة ملاعب كبرى في المملكة، والاختناق المروري، بسبب الاستنفار العمراني الذي رافق الاستحقاقات الكروية الكبرى، وبرغم الريح والجو الماطر والإعصار، إلا أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وافقت على ملتمسات عدد من الاتحادات الكروية الإفريقية، بإجراء مباريات منتخباتها على أرضية ملاعبنا، أو ما تبقى منها، ضمن الجولتين الخامسة والسادسة من التصفيات الإفريقية المؤهلة إلى مونديال سيجرى بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، ثم كندا.
قبل المغرب ملتمسات من اتحادات تعاني ملاعبها من الهشاشة، وصدر في حقها قرار المنع من احتضان مباريات دولية، بسبب عدم مطابقتها للمعايير الدولية المعتمدة من طرف الاتحادين الإفريقي لكرة القدم «كاف»، والدولي لكرة القدم «فيفا».
جند المغرب إمكانياته لاستضافة خمس عشرة بعثة رياضية إفريقية، لا يقل عدد البعثة الواحدة عن أربعين فردا، ناهيك عن المشجعين الذين لحقوا بهم وأصروا على التشجيع خارج أوطانهم.
احتضنت ستة ملاعب ضيوف المملكة وعشرات ملاعب التدريب، وأزيد من عشرين فندقا لإيواء المنتخبات وأطقم التحكيم والصحافة المواكبة للمباريات، مع ما يترتب على هذه الاستضافة من استنفار أمني ولوجيستيكي وإعلامي.
الاستنفار شمل الجانب الدبلوماسي أيضا، حيث شوهد سفراء خمس عشرة دولة إفريقية في المنصات الرسمية للملاعب المغربية، يتابعون مباريات منتخباتهم، شاكرين للمغرب هذا المعروف الدبلوماسي.
في وجدة والدار البيضاء، كما في مدن أخرى كالجديدة ومكناس وبركان، تصادفك حافلات تقل في جوفها منتخبات إفريقية، فتعيش من حيث لا تحتسب أجواء بطولة إفريقية مصغرة، في غفلة من الجميع، تنقصها الطبول والأهازيج ليكتمل المشهد.
على امتداد عشرة أيام نجح المغرب في احتضان بطولة إفريقية مصغرة، أشبه باختبار تجريبي، أو «بروفة» كروية تعزز رهان الدبلوماسية الرياضية، وتكرس حضور المملكة داخل منظومة قارية اسمها الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم.
قبل عامين تقريبا سجل المغرب نفسه كوجهة كروية مفضلة للمنتخبات الإفريقية، التي تعاني من استعصاء البنيات التحتية، استضفنا منتخبات لم يكن يجمعنا بها سوى الخير والإحسان، فتحنا ملاعبنا للصومال وجيبوتي والسيشل وبوروندي وغيرها من الدول، التي باعدت بيننا وبينها المسافات والمنافسات.
حين تستضيف بلادنا في ظرف عشرة أيام اثنتا عشرة مباراة دولية بنكهة إفريقية، فإن هذه المباريات تستنفر أزيد من ستين حكما ومراقبا ومئات الأمنيين والإعلاميين، ناهيك عن الأبعاد الاقتصادية والدبلوماسية والرياضية والثقافية لهذا الـ«كان» المصغرة.
في زمن مضى كانت لنا وزارة للشؤون الإفريقية، تولاها الدكتور عبد الكريم الخطيب، في الستينيات، وهي من بين الوزارات التي لم تعمر طويلا بالاسم والاختصاصات، وضعت على مقاس وزيرها واختفت بانسحابه من المسؤوليات الحكومية، وعكست في توقيتها وأهدافها محور الالتزامات المغربية تجاه حركات التحرير الإفريقية.
هذه الوزارة التي لم يكتب لها عمر طويل، لعبت الدور نفسه الذي تلعبه الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم اليوم، استقبلت قادة العديد من الحركات التحررية، ووفرت لهم ما يكفي من الدعم والأمان، منهم من حفظ العهد ومنهم من أكل النعمة وبصق في الصحن.
الآن نفهم لماذا كان صاحب أغنية «بلادنا كريمة ومضيافة وجمالها ناطق بحروف» حاضرا في «بلاطو» قرعة «الكان».