حسن البصري
قبل أن يطلق حكم مباراة الديربي البيضاوي صافرته، يمتطي الحسين دراجته النارية ويفر من بؤرة التوتر. يخترق الشوارع الفارغة ويحرص على الهروب من مباراة ترفع ضغطه الدموي وتعبث بمفعول جرعات الدواء.
يتوقف الحسين في مكان خارج عن سيطرة الكرة، يناجي البحر وهو يسترق النظر بين الفينة والأخرى إلى عقارب الساعة، وحين يتأكد من انتهاء زمن المباراة ينهي مصادرة هاتفه ويبحث في أحشائه عن النتيجة.
الهزيمة تزيد من أوجاعه وترفع ضغطه الدموي، والانتصار يعيد ترتيب إيقاع حياته. وحين يعود إلى بيته يتناول أقراص الدواء ويكثر من الاستغفار.
ليس الحسين المشجع البيضاوي الوحيد، الذي يفر من الديربي ويهرب بعيدا عنه، فهناك مئات المناصرين الرجاويين والوداديين الذين لا يتحملون ضغط هذا الصدام الكروي، فيفرون بعيدا عن بؤرة الديربي، منهم من يقصد الشاطئ ومنهم من يهيم على وجهه دون بوصلة ومنهم من يدفئ أطرافه في حمام شعبي يعاني من العزوف.
الفوز في مباراة الديربي مختلف تماما عن كل الانتصارات، فهو لدى بعض الوداديين والرجاويين أفضل بكثير من الظفر بلقب، لأن الفوز هو الذي يجعل هذا الطرف أو ذاك قادرا على مواجهة خصومه المحتملين في مقرات العمل وفي الشارع والمقهى والبيت، ويمنحه شعورا بالاستعلاء وقدرة على تحقيق فوز في مباريات الجدل التي لا تنتهي إلا بحلول موعد ديربي آخر.
يقول سعد بوعبيد، نجل الرئيس السابق للرجاء الرياضي المعطي بوعبيد، إن والده كان يتحاشى متابعة مباريات الرجاء والوداد من المدرجات.. ما أن تنطلق أطوار الديربي حتى يختفي عن الأنظار، فيطوف بسيارته شوارع الدار البيضاء وهوامشها، وهو ينصت لموسيقى كلاسيكية هادئة تخفف من ضغطه الدموي، وحين يتأكد من انتهاء زمن المباراة يمر بالقرب من الملعب ليتعرف على النتيجة وهو يقرأ ملامح الجماهير.
في كثير من الأحيان يرفض عبد الله غلام، الرئيس السابق للرجاء الرياضي، متابعة مباراة الديربي من المدرجات، فيضع هاتفه خارج الخدمة ويحرض العلبة الصوتية على ترديد عبارة «لا يوجد أي مخاطب في الرقم الذي تطلبونه المرجو الاتصال لاحقا»، أي بعد الديربي ويركب سيارته صوب منطقة معزولة خارج الدار البيضاء، بعد أن يغلق كل ما قد يربطه بالعالم الخارجي وينقل له شظايا معركة الديربي المتطايرة من مركب محمد الخامس، وحين تنتهي المباراة يفتح هاتفه ويجهز نفسه لتقبل التهاني أو اللوم والعتاب.
في كل مباراة ديربي مقاطعون رغم أنفهم، يديرون ظهورهم لمباراة عالية التوتر وفي جيوبهم أقراص دواء تعيد الضغط إلى مستواه كلما انفلتت المشاعر، بعدما تحولوا إلى زبناء دائمين للصيدليات.
أذكر أن رشيد البوصيري، وكان من أبرز مسيري الرجاء، يعتكف يوم الديربي في «شاليه» بالمحمدية، حتى لا يهزم الديربي جسده، ومنذ أن تسلل مرض السكري لجسد عبد الرزاق مكوار، الرئيس السابق للوداد الرياضي، انضم الرجل لحزب المقاطعين لدواع صحية. كان يغلق المذياع ويصادر كل صوت يحرك في وجدانه حديث الكرة، قبل أن يطالب بإعفائه من تسيير الوداد والابتعاد نهائيا عن صخب المدرجات، فورث ابنه رضا المقاطعة وكلما لاح طيف الديربي فر بعيدا عن بؤرة التوتر.
يفضل الطيب الفشتالي، الرئيس السابق للوداد، مشاهدة تسجيل الديربي بدل متابعته بشكل مباشر للضرورة الصحية، فالرجل مصاب بضعف صمامات القلب وداء العشق العالي للوداد الذي ينتج ضغطا أعلى، لذا يحاول قدر الإمكان التقيد بالوصفات الطبية، ويقلع عن تناول وجبات كروية ذات سعرات حرارية قوية.
لا تقربوا الديربي وفي جيوبكم وصفة دواء.