سمير كنعان – رياضة العرب
ترقب العالم كلُّه موقعةَ ملعبِ “كينغ باور” التي استضاف خلالها فريقُ “ليستر سيتي” نظيرَه “إيفرتون” ضمنَ الجولةِ قبل الأخيرةِ من الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم هذا الموسم2016م.
ورغم أنه قبل موسمٍ واحدٍ لم تكنْ مثلُ هذه المبارياتِ لتجذبَ أحداً من عشاق الكرة غيرَ أبناءِ الفريقيْن المتنافسيْن، إلا أنَّ خصوصيَّة هذه المباراةِ جعلتْها محطَّ أنظارِ الجميع، كيف لا وهي مباراة التتويج والاحتفال باللقب ودرع الدوري!!
أيْ نعم تتويجٌ بالدوري، ليس خطأ مطبعياً بل هو واقعٌ مفاجئٌ أشبهَ بالمعجزة، وإنْ اتفق الجميع على أنه معجزة كروية بكل المقاييس لن تتكرر على الأقل في 100عام، عندما استطاعت ثعالب “ليستر سيتي” قهرَ كبارِ “البريميرليغ”، على رأسهم حاملُ اللقب تشيلسي بموسمٍ كارثيّ للنسْيان، وقُطْـبا مدينة “مانشيستر”، الكبير التائه يونايتد وجاره المُبذّر لملايين الخليج العربي السيتي، بالإضافة إلى مدفعجية لندن آرسنال، وعراقة تاريخ الريدز ليفربول وحتى الحصان الأسود اللندني-الأبيض- توتنهام، كلهم تاهوا في نفقٍ مظلمٍ هذا العام جعلت الأزرق الصغير جداً بطلاً لأقوى دوريات أوروبا والعالم.
ولكن ليس هذا فقط سببُ تتويج “ليستر”، فإلى جانب تراجع وتذبذب مستوى الكبار وتخبطهم محلياً وقارياً، فإنّ البطلَ نفسَه كان يستحق وبجدارة، وكان بطلاً من ذهب وليس من ورق!!
وتألقت نجومه على غير العادة يتقدمهم نجم الشُـبَّاك الأول “رياض محرز” الجزائري العربي الخالص الذي نصّب نفسه ملكاً على عرش النجوم بعد نيْله جائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي هذا الموسم، والقناص “جيمي فاردي” أمل الإنجليز باليورو والذي حطم رقم الأسطورة الهولندية “نستلروي” بالتسجيل في 11 مباراة متتالية، وفرسان الوسط كانتي وآلبرايتون والياباني أوكازاكي، وعمالقة الدفاع “مورغان وهوث وفوكس وسيمبسون” خلفهم جدار الصد حامي العرين “كاسبر شمايكل” نجل الحارس الأسطوري “بيتر”.
صحيح أنه لو تلفظ أي متابع رياضي مع بداية الموسم بترشيحه ليستر سيتي لوصفناه بالجنون، فالفريق الذي كان ينازع من أجل البقاء الموسم الماضي والذي عيّن مدرباً جديداً هو الإيطالي الثعلب “رانييري” الشهير بكلّ كلمات “النّحْس” الممكنة على صعيد الدوريات المحلية كلها، هو نفس الفريق الذي صارع الجميع على الصدارة وقارع الكبار بجدارة، وفاز على تشيلسي والسيتي وليفربول وتوتنهام، وحصد النقاط داخل وخارج أرضه مما جعله يتربع على عرش الدوري بلا منازع، إلا من الوصيف توتنهام المتشبث بالملاحقة والذي راهن عليه الجميع حتى المحلل العربي المصري “أحمد حسام” الشهير بـ”ميدو” راهن بحلاقة شعره لو خسر توتنهام اللقب لمصلحة ليستر!!
بيْد أنّ تشيلسي المتهاوي أبى إلا أن يترك بصمةً هذا الموسم بحرمانه للسبيرز من اللقب الأغلى وتقديمه هديةً مستحقة للمتصدر ليستر، وجعل ميدو ينفذ وعده ويحلق شعره بعد ضمان اللقب.
لكن لبّ الموضوع يكمن في المدرب الإيطالي الخبير “كلاوديو رانييري”، الذي عاش حياته وصيفاً في كل الدوريات والبطولات الممكنة، والذي أصبح فأل نحسٍ على المتعاقدين معه بأنه أسطورة المركز الثاني ولا يتوّجُ بالألقاب، وتاريخه يشهد بذلك، فباستثناء كأس إيطاليا 96 مع فيورنتينا وكأس إسبانيا مع خفافيش فالنسيا 99، لم يصعد لمنصة تتويج أبداً إلا وصيفاً!!
حيث نال لقب وصافة الدوري الإنجليزي مع تشيلسي لكنه بنى فريقاً صلباً للخاص مورينيو، كما حلّ وصيف كأس الاتحاد الإنجليزي معهم سنة2002، وفي أسبانيا خسر مع أتليتيكو مدريد نهائي الكأس أمام إسبانيول عام2000 بعد إخراجه لبرشلونة بثلاثية نظيفة بنصف النهائي.
ولم يكن شأنه في إيطاليا أفضل حالاً، فقد نال “رانييري” وصافة الدوري مع يوفنتوس وروما في موسميْن متتالييْن 2009 و2010م لمصلحة إنتر مورينيو، ثم في تجربة جديدة مع مدرسة مختلفة في الدوري الفرنسي انتقل لتدريب موناكو الذي ضخّ أموالاً لا بأس بها ليتصدر واجهة فرنسا 2012، إلا أنّ نحس الوصافة لاحقه ليُبقيه خلف فريق العاصمة الباريسية بأمواله الخليجية، ولم تنجحْ تجربته الدولية مع منتخب اليونان 2014م، ليعود مجدداً إلى إنجلترا مع الصغير “ليستر سيتي” طمعاً في إبقائه ضمن دوري الأضواء الممتاز فقط بلا أي طموح آخر، فإذا به يحقق المستحيل بلقب هو الأول والأغلى في حياته الحافلة، وكسر نحس “أسطورة الوصافة” بلقب كـ”الخرافة”.!!
وما يجدر ذِكره أنَّ رانييري مشهودٌ له أنه مكتشف مواهب من طرازٍ رفيع، كان أهمهم في إيطاليا الأسطورة “زولا” وبإنجلترا “لامبارد” ولفالنسيا “منديتا وكانيزاريس”، وغيرهم الكثير من نجوم اللعبة.
سمير كنعان
ناقد رياضي