حسن البصري
في العاشر من فبراير سنة 2008، عادت بعثة المنتخب المغربي إلى الرباط مكسورة الوجدان، إثر الخروج المبكر من منافسات نهائيات كأس أمم إفريقيا 2008 بغانا.
في هذا اليوم، ولد شعيب بلعروش الذي سيصبح حارسا لمرمى المنتخب المغربي للناشئين، وسيساهم بمستواه البطولي في حيازة المنتخب المغربي لقب كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة.
حين خرج شعيب إلى الوجود، كان الشارع المغربي منشغلا بأسود بلا مخالب، ملحا على استبعاد المدرب هنري ميشال وتغيير قطع غيار المنتخب. لكن “القابلة” التي أشرفت على إنجاب الوليد ستدخل التاريخ، لأنها أول من سمعت صرخة من سيصبح يوما درعا للمنتخب وسيترجم أحلام المغاربة إلى حقيقة.
قبل هذا التاريخ، وتحديدا في فاتح فبراير من سنة 2002، عادت بعثة المنتخب المغربي من مالي والخوف في عينيها، بعد مشاركة مذلة في نهائيات كأس أمم إفريقيا. كان الشارع الرياضي يعيش حالة غليان وهو يطالب برأس المدرب واللاعبين ورئيس الجامعة وسائق الحافلة.. في هذا اليوم أطلق علاء بلعروش صرخته الأولى تلتها زغرودة ترحب بالوافد الجديد.
لا أحد من المقربين أو المبعدين كان يعتقد أن المولود سيصبح يوما حارسا للمنتخب الأولمبي المغربي، وسيقوده للظفر بكأس أمم إفريقيا لأقل من 23 سنة. ففي طي كل نكبة نعمة.
ما زال في بيت بلعروش حارس مرمى آخر اسمه عمران، سيرث القفازات وواقي الساق وعتاد حراسة المرمى، ويتأبط الحلم ليصبح حارسا للمرمى.
ولأنها عائلة حراس فإن قاموسها لا يخلو من مصطلحات اليقظة ورد الفعل و”التايمينغ”، وأجساد الأبناء لا تخلو من كدمات وجراح سقطت بالتقادم.
الفتى شعيب وشقيقاه عشقوا الكرة منذ صباهم، لعبوا فوق الإسفلت والتراب والعشب الاصطناعي والطبيعي. درسوا في المدارس العمومية وتذوقوا قساوة التنقل بين الملاعب قبل أن يحطوا الرحال في أكاديمية محمد السادس.
في الدروب الصاخبة لسيدي عثمان، وفي كل الأحياء التي سقطت سهوا من مفكرة صناع التنمية المحلية، يطارد الأطفال واليافعون الكرة، يركضون خلفها ويحولون محافظهم إلى قوائم للمرمى، ولا تنتهي مبارياتهم إلا إذا أسدل الليل ستائره على الملعب، أو تحت تهديدات جار سئم صيحاتهم واحتجاجاتهم وأفراحهم.
في سيدي عثمان أرحام أنجبت خيرة لاعبي هذا الوطن، بكسرة خبز وكأس شاي وزيت وزيتون يقتاتون، وبفرحة هدف يسعدون وبعناق ينعمون وفي قمصان الأحلام يرفلون.
غير بعيد عن بيت عائلة بلعروش، تخصصت عائلة نقاش في إنجاب اللاعبين الموهوبين، حمل إبراهيم شارة عمادة الوداد الرياضي وأصبح شقيقه الأصغر أكرم من صناع ملحمة المنتخب الأولمبي في أولمبياد باريس، وما تبقى من شجرة العائلة توزع بين فرق القسم الأول والثاني والهواة.
تحولت ملاعب سيدي عثمان إلى مصدر رئيسي للمواهب الطرية، وأضحت أكاديمية محمد السادس المستورد الأول للكفاءات الواعدة، بفضل مؤطرين يهتمون بالقلوب لا بالجيوب، فريق عمل يملك حاسة شم متطورة قادرة على استنشاق عطر اللمسات والتمريرات والمراوغات.
لا يمكن لهذه المواهب أن تنسى فضل مروان وإدريس وصلاح وكنوة ورضوان وغيرهم من العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم. هؤلاء الذين أهدوا للمنتخب الوطني أوناحي وتيرغالين ونناح وغيرهم من الأقدام المبدعة التي انتشلت عائلاتها من الهشاشة، وجعلت من الكرة طوق نجاة.
في كل مدينة “بؤرة” عائلية للكرة، لاعبون وحراس مرمى ومدربون، فقد أنجبت عائلة لبرازي ثلاث حراس مرمى الهاشمي وعبد القادر ومنير، ومعهم “بونيس” اسمه منير، ومن المحمدية خرجت سلالة الرعد، وهلم جرا.
في تلابيب الكرة المغربية قصص إنسانية تستحق أن تروى، حتى لا تظل طفولة كثير من الفتية الراكضين وراء الكرة، مشروعا لهشاشة مبكرة ومصنعا للشعراء الصعاليك.