خالد الجزولي
في ظل التألق المغربي اللافت على الساحة الكروية الدولية ونجاحاته المتتالية على مستوى المنتخبات والأندية الوطنية، يستعد المغرب لاستضافة تظاهرات رياضية كبرى، بدءا بكأس إفريقيا للأمم «كان» 2025 وكأس العالم لكرة القدم 2030، في لحظات تاريخية يسعى المغرب من خلالها تأكيد ريادته الرياضية إقليميا ودوليا.
وتماشيا مع سرعة تنفيذ المشاريع الضخمة لتهيئة البنيات التحتية، بما يشمل تطوير الملاعب، وتعزيز شبكات النقل البري والجوي وبناء طرق حديثة، تحرص الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على تكثيف الجهود لتطوير كفاءات العنصر البشري المرتبط بعالم كرة القدم، من لاعبين ومدربين وحكام، وذلك بهدف مواكبة التحول الرياضي الكبير داخل المغرب.
ويظل ورش إصلاح التحكيم الوطني ضمن أوليات جامعة كرة القدم المغربية، سيما أمام ارتفاع حدة الانتقادات الموجهة إليه وتحديدا من قبل الأندية الوطنية آخرها اتحاد طنجة، وتراجع حضوره في التظاهرات الكروية العالمية، وذلك بالاستعانة بخبرة أمريكية شرعت في وضع أولى اللبنات لمنظومة جديدة تتماشى مع المعايير المعتمدة خارجيا.
احتجاج اتحاد طنجة يعيد التحكيم المحلي إلى الواجهة
يواصل التحكيم المغربي إثارة الجدل في البطولة الوطنية لكرة القدم بفعل قرارات مؤثرة في عدد من المباريات المهمة، سواء على مستوى مقدمة الترتيب أو أسفله، أجبرت المديرية المركزية للتحكيم على تنظيم لقاءات تواصلية بهدف تسليط الضوء على مجموعة من الحالات التي لم تكن فيها قرارات الحكام صائبة، وذلك بعد الاحتجاجات التي صدرت عن مجموعة من الأندية.
وسجل الموسم الكروي الجاري احتجاج أغلب فرق البطولة الوطنية الاحترافية وإصدار بلاغات احتجاجية تستنكر الأداء التحكيمي خلال مبارياتها وتندد بالأخطاء التحكيمية المرتكبة، إذ رغم تدخل حكام تقنية الفيديو «الفار» في العديد من الحالات، إلا أن الجدل، الذي يحيط بالبعض منها، يدفع الفرق الوطنية المعنية إلى مواصلة الاحتجاج على الأداء التحكيمي المحلي والمطالبة بإصلاحه.
هذا وأعاد فريق اتحاد طنجة التحكيم المحلي إلى الواجهة، خلال الآونة الأخيرة، في بلاغ صادر عنه، سلط الضوء على الهفوات التحكيمية التي رافقت مباراته أمام اتحاد تواركة، لحساب منافسات الأسبوع 27 من منافسات البطولة الوطنية الاحترافية، حيث طالب بفتح تحقيق عاجل بسبب ما وصفها بـ«المهزلة التحكيمية» في مباراته، والتي تتكرر حسب البلاغ ذاته.
وشدد الفريق الطنجي على المطالبة بتوضيحات من الجهاز الوصي على التحكيم بشأن دواعي عدم استخدام تقنية الفيديو «الفار»، وتحميله مسؤولية ما سيترتب على القرارات التحكيمية في المباراة، مطالبا، في إطار مبدأ «احترام النزاهة ومبدأ تكافؤ الفرص»، بإبعاد الحكم المسؤول عن قيادة مباريات «فارس البوغاز» مستقبلا بسبب تكرار سيناريو الأخطاء التحكيمية من طرفه.
واعتبرت إدارة اتحاد طنجة أن الظلم الذي تعرض له الفريق لا يمس فقط بمصالحه، بل يُسيء إلى صورة كرة القدم الوطنية ومصداقية المنافسة، ويقوض ثقة الأندية والجماهير في نزاهة النتائج.
تراجع تمثيلية التحكيم المغربي يثير الجدل
يواصل التحكيم المغربي تراجعه في تمثيل الصافرة الوطنية في التظاهرات القارية والعالمية، بعدما تم تغييبه عن اللائحة النهائية التي أعلن عنها الاتحاد الإفريقي لكرة القدم «كاف»، من أجل المشاركة في كأس إفريقيا للأمم لأقل من 20 عاما، التي تحتضنها مصر في الفترة بين 27 أبريل الجاري و18 ماي المقبل.
ووجه غياب الحكام المغاربة عن المسابقة القارية ضربة قاسية لـ«قضاة الملاعب» داخل البطولة الوطنية، فيما استطاع الحكم الدولي السابق، محمد الكزاز، حفظ ماء وجه التحكيم المغربي بعدما تم اختياره مدربا للحكام المشاركين في «الكان» ذاتها، مقابل تواجد ثلاثة حكام من جنوب إفريقيا ومثلهم من مصر، وحكمين من الجزائر وآخرين من الكوت ديفوار، فيما شاركت بحكم واحد كل من الكاميرون، غامبيا، كينيا، ليبيريا، الطوغو، زامبيا، زيمبابوي، أوغندا، موريشيوس، إسواتيني، رواندا، تونس، موريتانيا، السودان، البنين، إثيوبيا، نيجيريا وأنغولا.
وسارعت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إلى الاستعانة بخبرة الحكم الدولي إسماعيل الفتح ذي الأصول المغربية لإعادة تأهيل منظومة التحكيم وإنهاء الجدل المتواصل بشأنها بين الجمهور الرياضي المغربي وكذلك لإعادة تواجد أصحاب البذلة السوداء في المسابقات الخارجية وتمثيلهم للمغرب بعد الغياب الأخير عن غالبية الملتقيات الكبرى القارية والعالمية.
العصبة وتشخيص الوضعية الحالية للتحكيم
اجتمع رؤساء العصب الوطنية، الأربعاء الماضي بالرباط، بلجنة التحكيم والمديرية الوطنية للحكام، بحضور إدريس حنيفة المكلف بالتنسيق مع العصب الجهوية. وقدم عبد السلام بلقشور، رئيس العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية، خلال الاجتماع، عرضا مفصلا حول الخطوط العريضة للنهوض بقطاع التحكيم الوطني، حتى يساير الأوراش التي فتحتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
وتطرق العرض إلى كل نقاط المخطط الاستراتيجي الوطني للجنة التحكيم، والتي تضمنت مجموعة من المحاور، من قبيل الإطار المرجعي التشريعي، آليات الإنجاز البشرية واللوجستية، مهام واختصاصات لجنة التحكيم والمديرية الوطنية للحكام، تشخيص الوضعية الراهنة للتحكيم الوطني، الأهداف المتوخاة من المخطط الاستراتيجي، مرتكزات ومخرجات الأجرأة والتنزيل والتقييم والتقويم المرحلي والإجمالي للمنجزات.
ومن جهته، طالب جمال كعواشي، رئيس العصبة الوطنية لكرة القدم هواة، بتفعيل المضامين لتطوير قطاع التحكيم والارتقاء به، وعلى وجه الخصوص الاستمرار في عملية التشبيب، الارتقاء بالتحكيم النسوي، تطوير كرة القدم المتنوعة وتأهيل قطاع التقييم والمواكبة.
وسلط عبد السلام بلقشور، رئيس العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية، الضوء على مجموعة من الإكراهات التي تعرفها برمجة المباريات، خصوصا وأن بعض الفرق الوطنية، المشاركة في مختلف المنافسات القارية، تجد صعوبات في التنقلات الإفريقية والتغييرات الفجائية التي يقوم بها الاتحاد الإفريقي لكرة القدم في برامج المنافسات. ودعا بلقشور إلى الأخذ بعين الاعتبار تلك الإكراهات في برمجة أنشطتها عبر عقد اجتماع أسبوعي بشكل دوري للجنة التحكيم بحضور المدير الوطني للحكام، وعقد اجتماع شهري موسع يضم لجنة التحكيم والمديرية الوطنية للحكام.
الحكم الدولي الفتح واللبنة الأولى لمنظومة تحكيم جديدة
كلفت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، الحكم الدولي المغربي، إسماعيل الفتح، منذ شهر مارس الماضي، بمهمة إجراء خبرة شاملة لمنظومة التحكيم الوطني بهدف كشف مكامن قوتها وضعفها، واقتراح سبل من أجل تطويرها.
وشرع الحكم الدولي، المكلف بمهمة تقييم منظومة التحكيم الوطني، في عقد لقاءات مباشرة مع مسؤولي الأندية الوطنية، في إطار خطة منهجية تهدف إلى رصد مكامن القوة والضعف داخل منظومة التحكيم المغربي، في أفق صياغة تصور جديد وفعّال لتطوير القطاع، بعد الاستماع إلى ملاحظاتهم ومواقفهم من الأداء التحكيمي الوطني خلال المواسم الكروية الأخيرة.
ويستند مشروع الحكم الدولي الفتح على ثلاثة محاور رئيسية، أولها متعلق بالجانب التقني المرتبط أساساً بتقنية الفيديو المساعد «الفار»، من حيث جودة التطبيق واعتماد التكنولوجيا وتكوين الحكام المتخصصين فيها، إلى جانب تقييم الأداء التحكيمي وتدبير التعيينات وفق معايير واضحة وشفافة وتكوينهم وفق معايير معترف بها، سواء على مستوى الاختيار وعدد الحكام. فيما يتعلق المحور الثاني بجاهزية التحكيم للاحتراف، ويركز على نمط اللعب في البطولة الوطنية والميثاق التأديبي، إضافة إلى البروتوكولات التنظيمية المرتبطة بالحكام داخل وخارج الملاعب، من « الروتين» الأسبوعي إلى يوم المباراة، مرورا بتعامل الحكام مع وسائل الإعلام، ويتناول هذا المحور، أيضا، جانب الدعم المالي المخصص للحكام الممارسين.
ويغطي المحور الثالث البنية التنظيمية والقانونية، من خلال تقييم دور اللجنة المركزية للتحكيم والمديرية الوطنية ودور العصب الجهوية، مع اقتراح إعادة هيكلة شاملة تشمل إطلاق أكاديمية وطنية للتحكيم وتعزيز التحول الرقمي في رصد وتحليل أداء الحكام عبر الفيديوهات والإحصائيات الدقيقة.
ويشرف الحكم الدولي الفتح على مشروع تطوير منظومة التحكيم الوطني، بمساعدة فريق يضم خبراء دوليين في تقنية «الفار» وتنظيم الهياكل التحكيمية، فضلا عن متخصصين في تحليل البيانات التحكيمية.
لقجع يشدد على تطوير منظومة التحكيم الوطنية
أكد فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، خلال الحفل الذي نظمته اللجنة المركزية للتحكيم والمديرية الوطنية للحكام، على شرف الحكام المتقاعدين خلال الموسم الرياضي 2023-2024، والحكام الدوليين الحاصلين على شارة «الفيفا» للموسم الرياضي 2024- 2025، أن تطوير منظومة التحكيم يجب أن يستند إلى البناء التدريجي والعمل المتواصل بدلا من التركيز على ردود الأفعال الناتجة عن الانتقادات.
وشدد لقجع، في كلمته، على أن مجال التحكيم، مثل باقي مكونات كرة القدم، كلاعبين ومدربين وتكوين، يحتاج إلى التدرج ومواصلة العمل لتحقيق التطور، على اعتبار أن الأداء المثالي في التحكيم صعب المنال، فضلا عن وجود نواقص بشكل طبيعي، لكنها تستدعي العمل المستمر والتقييم البناء، يضيف رئيس الجامعة.
ودعا لقجع إلى الابتعاد عن الانتقادات غير الموجهة والتركيز على الوضوح في التقييم، وقال: «أتابع النقاش الدائر حول التحكيم وردود الأفعال المرتبطة به، وأرى أن النقاش يجب أن يحتكم إلى منطق البناء والتقدم نحو الأمام»، وأضاف: «التحكيم يشبه القضاء، فهو من المهام الصعبة التي تخضع لمنطق التأطير القانوني، ورغم تطور قوانين اللعبة والتكنولوجيات، تظل مهمة الحكم صعبة لأنها تتطلب اتخاذ القرار الصائب في لحظة، وهو ما يفرض ضرورة حضور الوازع الأخلاقي بشكل مستمر في حياة الحكم، فالتحكيم لن يكون سليماً وموضوعيا إلا إذا كان الوازع الأخلاقي محور عمل الحكم ».
وكشف رئيس الجامعة عن تطلعاته لتعزيز مكانة التحكيم المغربي دوليا، وقال: «هدفنا متمثل في تواجد 10 إلى 15 حكما مغربيا في المحافل الدولية والعالمية، وأن نحافظ على حضورنا في المباريات الكبرى لكأس العالم وكأس إفريقيا. لا نريد أن نظل رهينة للحالات الاستثنائية مثل الحكم الراحل سعيد بلقولة، بل نسعى لاستمرار حضور التحكيم المغربي في الساحة العالمية، ويصبح مرآة لتطور الرياضة المغربية بشكل عام».