رياضة العرب | Arabs-Sport

نقابيون في ملاعب الكرة

حسن البصري

 

بين النقابة والكرة علاقة قديمة تعود إلى فترة المحجوب بن الصديق الذي كان عاشقا للرجاء الرياضي، قبل أن تمتد العدوى السانديكالية إلى عبد الرزاق أفيلال ومن معه، حين جعل نقابته في خدمة الاتحاد البيضاوي.

مفهوم النقابة في عالم الكرة مختلف عن مفهومه في نقابة العمال، لأن النقابي الرياضي يغضب في قرارة نفسه سرا، ويضرب في منصات التواصل الاجتماعي، ولا يحفظ أهازيج الغضب وعبارات الاحتجاج، إلا إذا صدرت من المدرجات ورددها الجمهور.

حين تسأل مدربا مغربيا عن النقابة يختزلها في التكتلات والأحلاف التي يعرفها الفريق، بين تيار يمثل لاعبين من صلب النادي، وآخر يمثل فئة اللاعبين المستوردين، وثالث يناصر لاعبي الأنابيب. لكن في زمن الاحتراف والمنح الدسمة تسقط النقابة وتذوب الخلافات وتلتحم المشاعر، من أجل الحوافز التي تلغي الحواجز.

لكن فئة المدربين تمردت على التاريخ، وسجلت اليوم انتماءها لنقابة الاتحاد المغربي للشغل. لأول مرة يدخل المدربون مقر النقابة، فقد بدوا داخلها ككائنات غريبة وهم يرتدون بذلهم الرياضية، وسط قياديين نقابيين لا يستوون في مجالسهم، إلا إذا تأبطوا ملفات مطلبية وارتدوا ربطات أعناقهم. في مقر النقابة لا يوجد بساط أخضر يفتح شهية المدربين.

جالس زعيم النقابة، ميلودي موخاريق، لجنة تحضيرية لمدربين آمنوا بانتهاء صلاحية ودادية المدربين، وكشفوا لأمين النقابة عن خططهم للفوز بدوري الكرامة، بعد أن عانوا من الإقامة في مقاهي العطالة، بسبب قرار فرصة التدريب الوحيدة. وفي منصات الفاتح من ماي دعي قادة المدربين للجلوس في المنصة الرسمية يبادلون التحية لجحافل المشاركين في الاستعراض الرسمي، يلوحون بشارات النصر بأصابعهم، ويوزعون ابتساماتهم على المناضلين.

لأول مرة سترفع لافتات تحمل مضامينها مطالب المدربين، وتحولهم إلى طبقة بروليتارية تنادي بالمساواة والعيش الكريم، بعد أن كانت مطالبهم تدور في فلك غرفة المنازعات، بسبب متأخرات مالية معلقة ومنح مصادرة.

الانتقال من العمل الجمعوي إلى العمل النقابي، أكسب المدربين فن الخطابة، بعد أن نهلوا من قاموس الحركة النقابية وسعوا إلى إيصال أصوات زملائهم إلى قبة البرلمان.

في حضن النقابة تم القطع مع الاحتجاج في وضعية «صامت» أو «فيبرور»، بعد أن تبين أن بلاغات الودادية تكتب بالماء.

يتأبط المدربون المغاربة ملفا مثقلا بالهموم، فهم يعيشون تحت رحمة «باطرونا» الكرة، ويرتعبون من كابوس الإقالة المسلط عليهم، كلما ساءت النتائج. مستقبل أسرهم معلق بين قدمي لاعب يخطئ الهدف، وفي المدرجات مدربون في حالة إحماء تأهبا لخلافتهم.

سيعاني المدربون من ضعف القدرة على المرافعة، لأنهم خلقوا لوضع استراتيجيات الفوز، لا للحديث في منصات الخطابة، لكن التحول من العمل الجمعوي إلى العمل النقابي سيمكنهم من فهم قواميس جديدة يتقاطع فيها النضال والاحتجاج مع صنع الانتصارات، ويصبح فيها الحوار الاجتماعي أهم من الحوار التكتيكي.

لكن الزعماء النقابيين عادة ما يسقطون في امتحانات الكرة، وحين يجلسون على كرسي الرئاسة ترمي بهم نتائج الفريق بعيدا عن الملاعب، لأن شغيلة الكرة وجماهير اللعبة الأكثر شعبية لا تؤمن بالخطب الحماسية، ولا تتمايل إلا حين تلامس الكرة شباك الخصوم، وترفع الكؤوس وتتعالى صيحات التكبير.

من المصادفات الغريبة أن تخرج فكرة نقابة المدربين من مدينة مكناس، وتنطلق إلى الغرب لتستقر في شارع الجيش الملكي بالبيضاء، فالمحجوب بن الصديق، زعيم الاتحاد المغربي للشغل، من مواليد مكناس أسس فريقا للسككيين، إلا أنه سقط في حب الرجاء البيضاوي، وجعل النقابة في خدمة فريق يسيطر على قلوب شخصيات في محيط زعيم نقابة الاتحاد المغربي للشغل، رغم أن مقرها يوجد في تراب معقل الوداد.

موخاريق لا علاقة له بالكرة، لكن سيرته في قطاع التكوين المهني تجعل منه مؤسسا لفريق التكوين المهني الممارس بقسم الهواة.

التاريخ يسجل للنقابة دورها في تشغيل عدد كبير من اللاعبين وإنقاذهم من الهشاشة، بعد اعتزالهم. ففي البطولة العمالية مشاهد من إدماج سوسيو مهني لنجوم علقوا «صبابيطهم»، فكانت البطولة العمالية والمهنية فرصة استدراكية، خاصة حين يحمل رئيس الفريق قبعة السياسي والنقابي والرياضي.

في زمن مضى كان لكل مصنع فريق يمثله ولكل بنك فريق ولكل قطاع خدماتي ناد يمثلها، لكن حين كنت أتردد كل سبت على ملعب الحفرة لمتابعة مباريات «طرافاييست»، لم يستوعب ذهني الصغير أن يتبارى فريق ملعب لوقيد مع فريق لشركة الغاز.

 

نقابيون في ملاعب الكرة

Exit mobile version