باريس- رياضة العرب
يتساؤل الكثيرين عن سر هذه الطفرة الهائلة في إنتاج المواهب بالكرة الألمانية بالسنوات الأخيرة. حيث تمتليء الملاعب الألمانية اليوم بالوجوه الشابة أكثر من أي وقت مضى, ليس فقط مجرّد شباب, بل مواهب أثبتت نفسها بسرعة و بقوة لدرجة الإنضمام للمنتخب الوطني الألماني في عمرٍ مبكّرة. و لأننا في ألمانيا, حيث لا مجال للصدف في العمل, و حيث إحترام العمل ودقّة التنظيم فإن تطوّراً كهذا لا يمكن أن يحدث من فراغ. إن التطوّر الحالي في الكرة الألمانية كان نتيجة عمل طويل و شاق للوصول إلى هذا النوع العالي من لاعبي كرة القدم بألمانيا بعد فترة قحط بالعقد الماضي.
لذلك, يسعدنا أن أقدّم لكم ترجمة مختصرة للتقرير الذي قام به موقع البوندسليغا عن سرّ هذا التطور, وذلك بالعمل في مجال الأكاديميات. التقرير يأتي بمناسبة مرور عشر سنوات على إنشاء الأكاديميات في الكرة الألمانية, عام 2001.
كلمة رينهارد روبال, رئيس رابطة البوندسليغا لكرة القدم.
“كانت مجرّد أشهر قليلة ماضية عندما شاهد الناس المنتخب الوطني الألماني يقدّم كرة حيويّة و هجومية و بإسلوب و تقنية رائعة جعلت الجميع يستمتعون بها في جميع الأرجاء في بطولة كأس العالم الماضية 2010 في جنوب افريقيا. منتخب ألماني شاب بمعدّل أعمار تحت الخامسة و العشرين, بفريق كامل من لاعبي البوندسليغا فآجأ الجميع تحت قيادة مدرب المنتخب يواكيم لوف, بطريقة هجومية عالية و ناجحة, جعلتهم يصلون إلى مرحلة من الطرب و النشوة. مؤخراً أثبت هذا الأداء الكبير أن الإجراءات الّتي إتفق عليها الستة و ثلاثون ناديا محترفاً في ألمانيا قبل عشرة أعوام كانت صحيحة.
في جميع الأندية, القرار الإلزامي بإنشاء أكاديميات لجميع الأندية الألمانية المحترفة في 2001 كان اللبنة الأولى لبناء مستقبل ناجح لكرة القدم الألمانية. اليوم, و بعد عشر سنوات, يمكننا التمتع بثمرات هذا القرار بعمل هذه الأكاديميات. و هنا, أشعر بالثقة بأن المزيد من النجاح لا يزال قادماً.
هناك العديد من المواهب التي تتمتع بتقنية عالية و قدرة تكتيكيّة كبيرة في البوندسليغا. باستيان شفاينشتايغر, فيليب لام, مانويل نوير لاعبون من الصنف العالمي. لاعبون شباب آخرون مثل توماس مولر, ماريو غوتزه, أندري شورله, التوأمان لارس و سفين بيندر وعدّة لاعبين لا يمكن حصرهم لديهم الإمكانية لأن يصلوا إلى مرحلة أفضل وأعلى. و بالتأكيد من دون ذكر مسعود أوزيل و سامي خضيرة الذين يقدمون مستويات رائعة في مدريد. إنّ السياسة الألمانية في العمل في قطاع الشباب أصبحت نموذجاً يحتذى به و إستشهد به الإتحاد الأوروبي (يويفا) كالنظام الأفضل في أوروبا. إنّ المرحلة الّتي كنا نرى فيه فرنسا و إسبانيا و هولندا كأمثلة لنا, ولّت. الإمكانيات التربويّة و الطبية و الرياضية المتوفّرة في جميع الأكاديمات الألمانية تشكل فلسفة فريدة من نوعها. الأكاديميات الآن تضمن تعليماً متكاملاً لكل لاعب شاب, بالإضافة إلى مستقبل زاهر حتى خارج نطاق كرة القدم.
يجب علينا شكر جميع الأندية, ليس فقط من أجل ذلك, بل لأنهم كانوا أيضاً جادّين في تعيين الأشخاص المؤهلين و المدرّبين للعمل في الأكاديميات. الإتحاد الألماني لكرة القدم لا ينسى أيضاً شكر كلّ من ساهم في هذا العمل. بالتحديد, الإتحاد الألماني يؤدي هذا العمل الكبير و المبهر بنظرة واضحة بقيادة رجل خبير في العمل مع اللاعبين الشباب كماتياس زامر”.
” مدرّبون بشكل مثالي ! “
كرة القدم تشهد مرةً أخرى الآن عدداً من اللاعبين الألمان الممتازين الذين أبهروا على الصعيد المحلّي و العالمي. عشرة سنوات بعد قرار و إنشاء الأكاديميّات.
توماس مولر من الفريق الأكثر حملاً للقب البوندزليغا بايرن ميونيخ, كان هدّاف بطولة كأس العالم 2010 في جنوب افريقيا وهو لا يتجاوز العشرين من عمره. مانويل نوير يُظهر أداءه العالمي إسبوعياً و صار مطلوباً من أبرز الأندية الأوروبية قبل إنضمامه لبايرن ميونيخ. ماريو غوتزه في عمر الثامنة عشر فقط يُعرف الآن بموهبة القرن الجديدة التي تقدمها ألمانيا. في العقد الماضي, الأكاديميات طوّرت بشكل كبير عمليّة إنتاج المواهب.
عدد من اللاعبين الألمان العالميين الآن, تدرّبوا و تعلّموا و إستعدوا لحياة لاعب كرة القدم المحترف في واحدة من الستة و ثلاثين الأكاديمية الموجودة لأندية البوندسليغا بدرجتيها الدرجة الأولى و الثانية. يُضاف إليهم نجوم قادمون بقوةّ كالأخوين بيندر, أو الذين وصلوا للنجومية مثل باستيان شفاينشتايغر و فيليب لام.
بين 525 لاعباً في البوندسليغا, هناك 275 لاعباً ( 52%) تدرّبوا و نشأوا تحت عمل هذه الأكاديميات. هذا يعني ما يقارب 15 لاعباً تدرّب في الأكاديميات في تشكيلة كل فريق بالبوندسليغا. حوالي 107 لاعباً ( 20%) من جميع لاعبي البوندسليغا المحترفين الآن, لعبوا لأكاديمات درسوا فيها أيضاً.
هذا نظامٌ يسمّى بـ” اللاعبين المحليين”. يقول روابال رئيس رابطة البوندزليغا :” تشهد الأرقام و الإحصاءات بأن التعليم في البوندسليغا كان مثمراً. بهذه الطريقة, الأكاديميات تضمن للمشجعين و بشكل متزايد رؤية لاعبين نجوم في البوندسليغا تخرّجوا و تدرّبوا من عمل هذه الأكاديميات “.
الأندية المحترفة في ألمانيا أنفقت منذ 2001 نصف مليار يورو في قطاعاتها السنيّة. الإستثمار المفيد هذا, أعاد كرة القدم الألمانية إلى نخبة أوربا. إستطاعت البوندسليغا مؤخّراً خطف مقعد ثالث في التصنيف الأوروبي و إستعادة المقعد الرابع أمام إيطاليا و تنظر بترقب للتقدّم على الإسبان أيضاً في التصنيف.
يقول الرئيس التنفيذي لرابطة البوندسليغا, كريستيان سيفرت :” أحد الأسباب الحاسمة لهذا النجاح بالتأكيد هو العمل البارز لأكاديميات البوندسليغا. حقيقةُ أن هذه الأكاديميات أنشئت بشكل إلزامي بعد بداية القرن الجديد هي مدحةٌ غير كافية. في هذا الموسم لوحده, صُرفت 90 مليون يورو من أندية البوندسليغا في الأكاديميات و هذا ما سيثبت فائدته في المستقبل”.
منذ 2001 تمكّنت الأكاديميات الألمانية من اللحاق بأكاديميات عريقة تملك أفضل المعايير في فرنسا وهولندا. سابقاً كانت أكاديمية أياكس الهولندية, و أكاديمية كلير فونتين الفرنسية هي الأفضل بمسافات بعيدة. إعادة التفكير مجدداً في الكرة الألمانية بدأ منذ خروجه الكارثي في يورو 2000 بهولندا و بلجيكا عندما خرج المنتخب الألماني من مرحلة المجموعات بنقطة واحدة و هدف يتيم.
برنامج تطوير و تحضير المواهب أُطلق بإنشاء أكاديميات شباب إلزامية لكل الأندية الألمانية المحترفة كشرطٍ من الشروط لمشاركتهم في الدوري الألماني. عشر سنوات بعد إنشائها, الأكاديميات أخرجت جيلاً من المواهب معترف به في جميع أنحاء أوروبا. مع الشكر للتأسيس القوي الذي تقدمه الأكاديميّات, نسبة اللاعبين في كرة القدم المحترفة في ألمانيا 64% وهو الرقم الأعلى منذ موسم 1998-1999.
علاوة على ذلك, النجاح الحالي للمنتخب الوطني الألماني تحت قيادة المدرب يواخيم لوف كان بدون شك غير ممكن بدون العمل الإحترافي للمدربين و طاقم العمل في الأكاديميات. كرة القدم الألمانية بأكملها تشاهد حالياً الفوائد ليس فقط من خلال مواهب مدرّبة بشكل مثالي لكن أيضاً من خلال هولاء الشباب الذي يقدمون مستويات رائعة بنضج عالي و يحققون الإستقرار لأنديتهم.
يضيف كريستيان سيفرت :” بدون عمل و دعم رابطة البوندسليغا, نجاح المنتخب الألماني الحالي كان غير ممكن. الشكر للأكاديميات, الآن لدينا لاعبون أكثر و أفضل تعليماً من السابق. الدوري الألماني يستخدم بشكل جيّد هذه المواهب. المنتخب الألماني الآن لديه فرصٌ حقيقيّة لربح الألقاب مجدداً”.
و للتأكد من أن هولاء الشباب الموهوبين يمكن أن يحققوا النجاح بالمستقبل, تقوم لجنة الإشراف على الأكاديميّات و التي أسست في عام 2001 بالعمل المتواصل لزيادة الفرص لتحسين و توسيع العمل مع المواهب الشابة. و بقيادة رئيس هذه اللجنة, السيد أندرياس ريتيغ (المدير الرياضي الحالي لنادي أوغسبورغ) تهدف اللجنة إلى ضمان أنّ النجاحات الحالية في هذا القطاع ستستمرّ ولن تتوقّف. يقول ريتيغ:” لا يمكن لنا أن نتكيء على النجاحات الحالية للاعبين الشباب في البوندسليغا و المنتخب الوطني. الذكرى العاشرة لتأسيس الأكاديميات يجب أن تكون وعلى العكس, فرصةً لنا للتفكير في كيفيّة العمل للسنوات العشر المقبلة”. و يطمح السيد ريتيغ إلى توسيع هذه الشراكة بين الأندية و المدارس. ففي الوقت الحالي تقدّم كرة القدم مع مدرّب في المدارس كخدمة إضافيّة.
و عندما يفكّر مارسيل شافر قائد فريق فولفسبورغ الحالي في وقته سابقاً مع أكاديمية ميونيخ 1860, فإنه ما يتذكره هو المدرسة الصعبة. يقول شافر :” إنك تخطو في مسار ليس سهلاً أبداً. أن تكون بعيداً عن بيتك وفي عمر الخامسة عشر, بالتأكيد أنك ستبكي بعض المرّات. في ذلك العمر, ربّما لا تعترف بذلك, لأنك فخور بما حصل لك”. اليوم أصبح مارسيل شافر لاعباً مهماً في البوندسليغا. ومع ذلك, يرى السيد ريتيغ بأنك هناك حاجة لمزيد من التحسين الفردي حول كرة القدم و المدارس. كل مدرّب في الأكاديميات يجب أن يكون له دوره في التشجيع الفردي و التواصل المكثّف. تعليم التصرفات الإجتماعية في الأكاديميات أصبح شرطاً مهماً للغاية من أجل روح الفريق و نجاحه, على كلا الصعيدين, مع المنتخب و النادي. بالإضافة إلى ذلك, يتمتع اللاعبون بتعليم متطوّر في الأكاديميات. ففي دراسة قام بها الدكتور أوفي هارتقين (لاعب سابق في البوندسليغا مع فيردر بريمن و هانوفر, و مدير أكاديمية فيردر بريمن حالياً) أثبتت النتائج بأن نسبة التخرج من المرحلة الثانوية في الأكاديميات يعد أعلى من التعليم الوطني.
و في جانب إجتماعي لعمل للـ36 أكاديمية لأندية البوندسليغا, هي حقيقة أن الأكاديميات ساهمت بشكل كبير في إندماج الأجانب و أبناء المهاجرين في المجتمع. بغض النظر عن أصولهم, اللاعبون في الأكاديميات قادرون على فهم الثقافة الألمانية. و إضافة إلى ذلك, يبدون حماسةً كبيرة للتعلم, فبالرغم من بعض المشاكل البسيطة في البراعة اللغوية وفهم الثقافة إلا أنهم ناجحين بشكل أكبر في التعايش مع زملائهم الألمان أكثر من نظرائهم في التعليم العام. و إلى جانب الإنتاج التعليمي و الرياضي للاعبين الشباب, الإتحاد الألماني لكرة القدم ساهم بشكل كبير في إنعاش الإندماج في ألمانيا أيضاً.