حسن البصري
كان أول لقاء جمعك باللاعب الدولي المغربي عبد الرحمان بلمحجوب في استوديو تلفزيون «تيليما»، هل شعرت بأنه كان متحمسا للفن؟
حين كان مقدم للبرنامج يدعى كسوس يحاور عبد الرحمان حول احترافه في فرنسا، وبعد اللقاء التلفزيوني سألني الصحافي عما إذا كنت أعرف هذا اللاعب، فأجبت بالنفي، ثم وجه السؤال لعبد الرحمان ليعرف مدى اهتمامه بالفن، فتبين أنه لا يعرفني. بعد الجلسة التلفزيونية انتقلنا جميعا إلى درب السلطان لمشاهدة فيلم «لحن حبي»، وعقب نهاية العرض اقترح علينا المطرب اليهودي سليم لهلالي تناول وجبة العشاء في مطعمه «الديك الذهبي» بالدار البيضاء، وافقنا لكن عبد الرحمان قال لنا إنه سيذهب إلى بيت عائلته في المدينة القديمة ليخبر والدته بتأخره ثم يلتحق بنا، هنا شعرت بأن الشاب في قمة الأخلاق. وبعد انتهاء سهرتنا في المطعم أخذنا في جولة بشوارع الدار البيضاء كانت أول لقاء بيننا. وفي حدود منتصف الليل عدنا نحن الثلاثة إلى وسط المدينة حيث كانت تقطن والدتي ووالدي.
هل كان والداك يقطنان في الدار البيضاء؟
نعم لقد هاجرا إلى المغرب هروبا من التطاحنات التي عرفتها الجزائر في الخمسينات، وقررا الاستقرار بالدار البيضاء، وتحديدا في وسط المدينة أي شارع الجيش الملكي اليوم. كانت الشقة في العمارة نفسها التي يوجد فيها مقر الخطوط الملكية الجوية اليوم. جاءت الهجرة في سياق موجة نزوح لجزائريين امتدت حتى استقلال المغرب وشملت بالدرجة الأولى عمالا باحثين عن عمل، وكانت وجدة أهم وأقرب وجهة، انتقل إليها عدد من المهاجرين الجزائريين مع بداية الخمسينات، علما أن ما حصل ارتبط بحرب استقلال الجزائر 1954 بحيث اختاروا الهروب من جحيم الاقتتال والاستقرار بالمغرب وقدر عددهم بالآلاف.
هلا حدثتِنا عن أول لقاء بين والدتك وعبد الرحمان؟
بعد الجولة التي حدثتك عنها، قرر مرافقاي ألا يغادرا المكان إلا بعد الاطمئنان على دخولي البيت الذي كان يقطنه والداي، شكرتهما أمي التي كانت تنتظر عودتي وقالت لهما، بعد موافقتي، أنتما ضيفان عندنا غدا لنتناول سويا كؤوس شاي بعد العصر، فوافقا على الفور وطلب منها عبد الرحمان أخذي معه في جولة أخرى بالدار البيضاء بعد الاستضافة. في اليوم الموالي حضر عبد الرحمان برفقة صديق آخر وهو من أقرب الناس إليه، ويدعى العربي الدكالي.
هل هو العربي الدكالي الذي قتل في انقلاب الصخيرات؟
نعم بالتأكيد، إنه العربي الدكالي صديقه المفضل والذي يطلق عليه اسم الحاج العربي. كان يشغل مهمة نائب مدير الأمانة الخاصة للملك، رافقنا في خرجاتنا وكان عبد الرحمان يحرص على ألا أظهر في جلسات مع أصدقائه، وكان بعض أقاربه يعتقدون أنني فرنسية جيء بي من باريس.
هل قررتما العودة سويا إلى باريس؟
لا كان لكل منا برنامجه، فبعد جولتنا في الدار البيضاء التي كانت فرصة لأتعرف على معالم هذه المدينة وأقترب أكثر من عبد الرحمان الإنسان، حان وقت الرحيل. ومن الصدف العجيبة أنني كنت مقبلة على سفر إلى بيروت في اليوم الموالي يدوم شهرا كاملا، كان إقلاع الطائرة صوب لبنان في الساعة الحادية عشرة صباحا بينما كانت رحلته من مطار النواصر إلى ألمانيا قبلي بساعة واحدة، بمعنى أننا سنلتقي في المطار لكن لكل منا وجهته. كانت لي شقة في باريس قبالة أوبرا في حي فني بامتياز، قلت لعبد الرحمان ونحن نودع بعضنا لنا موعد في باريس بعد شهر.
لماذا لم يرافقك عبد الرحمان إلى بيروت؟
كان عليه أن يلتحق بالمنتخب الفرنسي في ألمانيا حيث كان سيخوض مباراة ضد المنتخب الألماني، وكانت المواجهات الألمانية- الفرنسية مطبوعة بالندية، أما أنا فكنت في رحلة عمل في أحد الملاهي الشهيرة في بيروت. علمت أن المنتخب الفرنسي فاز بثلاثة أهداف مقابل واحد في مدينة هانوفر الألمانية، رغم أنني لم أكن متتبعة للكرة، حصل هذا في صيف 1956 على ما أذكر. بعد يومين من المباراة اتصل بي عبد الرحمان هاتفيا وقال لي إنه عاد إلى باريس، فأخبرته بأنني لازلت في بيروت حيث كنت أشتغل كل مساء. بعد المكالمة فكرت في أخذ إجازة والسفر إلى باريس لملاقاة عبد الرحمان من جديد. حين عرضت الفكرة على منظمي الحفلات اعتقدوا بأنني لن أعود إلى بيروت، وأنها مجرد محاولة للهروب.
هنا تعرفت على فريد الأطرش، أليس كذلك؟
خلال فترة وجودي في بيروت، وكنت أرقص في كازينو مشهور كما أسلفت الذكر، ظل فريد الأطرش يتردد على مكان عملي ويجلس في طاولة متقدمة دون أن يقول لي شيئا، وكانت سامية جمال، الراقصة المصرية، تقدم عروضها وأنا أيضا، لكن الحضور كان يرى في سامية بطلة السهرات إذا جاز التعبير، لأنها مشهورة ومصرية وكان الفن المصري يسيطر على العالم العربي، أما أنا فمجرد فتاة جزائرية صغيرة ربما لم يكن أحد يعرف الجزائر، لكن ما كان يميز أدائي أن الرقص الذي أقوم به رقص فرنسي تعلمته على يد أوزبكستاني كان مديرا للأوبرا في باريس، أي أنه رقص أوربي يعتمد على الرقص على أصابع القدمين. بصعوبة سيوافق متعهد الحفلات على منحي إجازة قصيرة في باريس على أن أعود إلى بيروت.